لا يزال من المبكر فعلاً الحكم على اداء الحكومة الجديدة، خصوصاً وانها تواجه مشاكل عملاقة زادتها السنوات الماضية (عقود من الزمن)، خطورة وتعقيداً. يدرك رئيس الحكومة ​حسان دياب​ والوزراء وكل من يؤيدهم، ان الناس تطلب افعالاً سريعة ودون انتظار مؤلم يزيد من القلق وتطالبهم بأفعال سريعة لا تحمل الانتظار. في المقابل، وبالنظر بعين موضوعية الى ما تقوم به الحكومة، فإنه يسجّل لها نشاطها الكبير، ولكن بالنسبة الى الافعال، لا يمكن اطلاق الوصف نفسه عليها، وهذا لا يعني انها مستقيلة من عملها، بل انها تحتاج الى المزيد من الوقت للتأقلم مع المصائب الخطيرة التي تواجهها على اكثر من صعيد. وبين هذا وذاك، يبدو ان هذا الاسبوع هو الاكثر جدّية وتأثيراً بالنسبة اليها، لأنّها حددت فيه اصدار قرارها الاخير بالنسبة الى سندات "اليوروبوند" بعد الاستشارات والمشاورات، غير ان الاهم ليس فقط في اصدار قرار بشأن هذا الاستحقاق، بل يطال ايضاً القدرة على التعاطي مع الازمة النقدية الناشئة في لبنان، والكفيلة بـ"تنفيس" الاحتقان والتشنّج الذي يصيب البلد ومواطنيه في حال تمّ التعاطي معها بطريقة مقبولة للجميع. ومن شبه المؤكّد انّ الارتياح في السوق النقدي، سيشكّل اول "صدمة ايجابيّة" حقيقيّة بالنسبة الى اللبنانيين، الذين سيعتبرون انّ أيّ قرار في هذا الشأن يخلّصهم مما يعانونه يومياً امام ​المصارف​ والصيارفة وفي اعمالهم اليومية، هو بمثابة جرعة ثقة للحكومة، والخطوة الاولى على الطريق الصحيح لاستعادة النشاط الاقتصادي والمالي. صحيح ان هناك مشاكل مستجدّة يجب التعاطي معها بالاهميّة نفسها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر فيروس "كورونا"، والتعقيد الاقليمي المستجد بدخول ​تركيا​ على خط العمليّات العسكرية المباشرة في ​سوريا​، مع كل ما يعنيه ذلك من انعكاسات سلبيّة على لبنان.

تحاول الحكومة قدر المستطاع، مواكبة الاحداث والتطوّرات المتسارعة، انما هناك امور يجب التعامل معها بشكل فوري، على غرار اصدار تعميم واضح للحدّ من الاستنسابيّة في التعاطي بين المصارف والمودعين، وفق ما كان اعلن عنه وزير المال ​غازي وزني​ اثر انتهاء ​الاجتماع المالي​ الذي عقد في ​قصر بعبدا​ في 13 شباط الماضي. ويأخذ الكثيرون على الحكومة تعاطيها بشكل منفرد مع الاحداث، بدل ان تتوزّع العمل على المشاكل، كل وفق اختصاصه، وضمن التوجّهات الموضوعة. فهي تصبّ كل تركيزها حالياً على استحقاق "اليوروبوند"، وارجأت او خفّفت حماسها في التطرّق الى المشكلات الاخرى، وهو امر لا يستقبله المواطنون برحابة صدر وبايجابيّة، لانّه وعلى الرغم من اهميّة موضوع "اليوروبوند"، الا ان المواضيع الاخرى لا تقل اهمية، ولا ينتظر احد ان يتم حلها بين ليلة واخرى، انما على الاقل ان يتم التعاطي معها بسرعة ووفق خطة ممنهجة تبدأ بتحقيق نتائج اولية بشكل سريع.

لا احد ينكر انه في لبنان، تأكل السياسة من صحون كل المشكلات والهموم، اكانت اقتصادية او مالية او اجتماعية او غذائية... وانها العائق الاساسي امام الكثير من الاصلاحات والحلول التي ينتظرها الجميع، ولكن هذه الحكومة تملك ما لم تملكه سابقاتها، وهي الاعتماد على سوء الاوضاع وتحويلها الى ارض صلبة يمكن القفز عليها نحو حلول وقرارات جديدة، دون احداث "ثورة" سياسية او خلط اوراق على جبهات الاحزاب والتيارات. يطلب الجميع فترة سماح لدى تسلمهم مسؤوليات جديدة، وهذه الحكومة هي اليوم امام فترة سماح تنتهي مع نهاية هذا الاسبوع، لاظهار مدى جدّيتها وقدرتها على تحقيق خرق ما في جدار الازمات الصلب، بعد ان اصبح ظهر اللبنانيين الى الحائط. انها الاسبوع الحاسم والتحدّي الكبير امامها، فإما النجاح، او الانضمام الى سياسة الحكومات السابقة في صيغة "راوح مكانك" التي لم تعد مقبولة بتاتاً في وضعنا الحالي.