منطقيا، يُمكن أن تسمع أن شخصاً ما هاجر الى كندا أو مكث في بلد ما مدّة سنتين حتى يحصل على اقامة أو جنسية، ولكن ماذا إن سمعنا أن هذا الشخص نفسه الذي غاب عن البلد المدّة المذكورة هومن موظفي إدارة رسميّة ومسجّل على أنه يحضر الى العمل يومياً ويتقاضى راتباً شهريا... في الشكل العام هذا أقرب الى ​الخيال​، ولكن هذه قصّة حقيقية حصلت وتحصل في ​وزارة المهجرين​.

لا يختلف حال الوزارة عن بقية وزارات ​الدولة​ حيث التوظيف العشوائي وفي كثير من الأحيان يكون لمنافع خاصّة أو لغايات، خصوصاً وأنه في ​لبنان​ يبلغ عدد المسجّلين في الوزارات بالآلاف ولكن الذين يحضرون الى العمل ويداومون هم أقل بكثير، وبالتالي فإن الدولة تخسر مبالغ طائلة على هؤلاء...

مخالفات في الدوامات

يبلغ عدد الموظفين المسجلين في وزارة المهجّرين 135 شخصاً، القسم الأكبر منهم لا يحضُر الى العمل، واكتشف ذلك وزير المهجّرين السابق ​غسان عطالله​ أثناء تقديمهم التهاني له بتوليه منصب الوزير، بحسب ما تؤكد مصادر مطلعة، لافتةً الى أن "عدد الذين قدموا التهاني لا يتجاوز55، وعندما سأل عن السبب كان الجواب أن أغلب المتغيبينمن موظفيالفئة الثالثة والرابعة ولا يحضرون التهاني".

لم يقتنع الوزير بهذا التبرير وبدأ مراقبة جداول الحضور ويقوم بجولات على المكاتب، التي كان يجد عددا منها خالياً، في حين أنه وعلى جدول الحضور كان الشخص يسجّل على أنه حضر الى العمل. وتشرح المصادر أن "عطاللهشكّ بموضوع تزوير الجداول،خصوصاً بعد ملاحظة المسؤولين عن نيّته التدقيق في الأمر، وبعد البحث المعمّق في المسألة إكتشف أن مديرة مصلحة تقوم بهذا الموضوع عبر تسجيل حضور عدد من الموظفين عند إنتقال التسجيل من الآلة التي تأخذ بصمة الأفراد عند الدخول والخروج الى ​الحاسوب​ الخاص بها لاصدار الجدول"، مضيفة: "طلب عطاللهالتدقيق فيالذاكرة الالكترونية الموجودة في الآلة والتي لا يمكن اللعب بها واكتشفنا كل اللعبة".

موظّفون وهميّون

هذا ليس كلّ شيء، فالمخالفة الكبرى بالنسبة للإدارة لم ترتكب على صعيد دوامات العمل بل على نوعية الموظفين المسجّلين في الوزارة، فبالاطار العام الموظف في أي إدارة يفترض أن يكون لديه مهمّة معينة ولكن في وزارة المهجرين الوضع مختلف. إذ تروي المصادر أنه تم "إكتشاف مثلا أن أحد الموظفين مسجل في الوزارة ويتقاضى راتبه منها، لكنه في الواقع يعمل سائقالأحد الوزراء السابقين التابعين لحزب معيّن، وهو ليس الوحيد بل هناك عدد آخر منهم، وشخص آخر موظف لدى وزير آخر من نفس الحزب، وبعد أن شدّدنا على ضرورة حضور كل موظف الى عمله طلبوا نقلهم الى وزارات أخرى".

وتضيف المصادر: "إحدى الفضائح الكبرى التي إكتشفت في الوزارة كان وجود موظّف حصل على الجنسيّة الكندية وهو لا يزال عاملاً في وزارة المهجرين"، شارحاً أن "من يريد الحصول على الجنسيّة يحتاج الى الاقامة في كندا لاكثر من عامين بشكل متواصل دون الحضور الى لبنان، وهذا يعني أن الشخص المعني غاب لمدة طويلة عن الوزارة وهو يتقاضى راتباً منها على أساس أنه موظّف".

موظفو المدير العام

بدوره الوزير السابق غسان عطالله أكد لـ"​النشرة​" كلّ هذه المعطيات، وذهب أبعد من ذلك ليقول إن "لدى المدير العام 11موظفاً تحت إمرته، واللافت أن شخصين أو ثلاثة لهم علاقة بالوزارة والباقين تابعين له ومقسمين بين: سائق للمنزل، وآخر له، حدائقي يعمل في القرية..."، مشيرا الى انه "وخلال تولّيه مهامه في الوزارة عاد الموظفون يداومون بشكل عادي ومن كان مخالفا منهم إمّا طلب نقله أو تم اخراجه من الوزارة".

وهذا ليس كلّ شيء، إذ للطوابق في مبنى ​ستاركو​ والايجارات حصّة كبيرة، فتشير المصادر الى أن "وزير المهجرين السابق قرّر تسليم طابقًا من الثلاثة الذي كان مقفلاً ويكلّف الدولة مئة مليون ليرة سنويا وخفّض عقد ايجار الطابقين من 684 مليون ليرة الى 584 مليون ليرة سنوياً".

تعدّ قضية دوامات العمل والموظّفين وايجارات المكاتب، واحدة من المخالفات التي ارتكبت في وزارة المهجرين على أن تضيء "النشرة" على مزيد من المخالفات الّتي ارتكبت وتتعلق برفع الوزير للحصانة عن موظّفين مخالفين والطلب بذلك حصل منذ العام 2007 ولم تحصل الدولة عليه الا منذ أشهر تقريباً.