بعيداً من صخب اليوروبوندز وأزيز ​كورونا​، «غَط» وزير ​السياحة​ والشؤون الاجتماعية الدكتور ​رمزي مشرفية​ في دمشق قبل أيام، ليكون أول وزير في ​حكومة حسان دياب​ يزورها، فماذا حققت تلك الزيارة الخاطفة؟ وما هي دوافعها؟

من المعروف انّ رئيس «الحزب الديموقراطي ال​لبنان​ي»، والحليف الثابت ل​سوريا​ النائب ​طلال ارسلان​، هو الذي تولى تزكية اسم مشرفية لتسلّم وزارتي السياحة والشؤون الاجتماعية التي صار يتبع لها ​ملف النازحين السوريين​، بعد إلغاء ​وزارة​ الدولة لشؤون النازحين في ​الحكومة​ الحالية. وبناء عليه، لا تخرج زيارة مشرفية لدمشق عن هذا السياق العريض الذي يجمع في آن واحد بين البُعدين السياسي والتقني.

ولئن كانت محاولة الوزير السابق ​صالح الغريب​ مقاربة ملف النازحين عبر الانفتاح على دمشق والحوار معها قد واجهت اعتراضات قوى اساسية في حكومة «الوحدة الوطنية» الزائفة، غير أنّ الأرجح انّ هامش التحرك سيكون أوسع وأرحب امام مشرفية في حكومة «الدايت السياسي»، الّا اذا أدّت ضغوط داخلية أو خارجية لاحقاً الى تكبيل ​مجلس الوزراء​ وفرض «هير كات» على خياراته.

وقد التقى مشرفية في رحلة «الاستطلاع والاستكشاف» الى سوريا كلّاً من وزراء السياحة محمد رامي، و​البيئة​ والادارة المحلية حسن مخلوف، والعمل والشؤون الاجتماعية ريما القادري. ويؤكد المطلعون على كواليس اجتماعاته انّ زيارته «كانت اكثر من ناجحة»، وانّ المسؤولين السوريين الذين التقاهم «كانوا في منتهى الايحابية بناء على توجيهات مباشرة من الرئيس بشار الاسد».

وتفيد معلومات المطّلعين انّ الوزراء السوريين المعنيين أبلغوا الى مشرفية الاستعداد للتجاوب مع كل ما يطلبه او يطرحه لبنان لتسهيل عودة النازحين السوريين الى بلادهم، وهم شرحوا له الآلية المعتمدة في التعاطي مع العائدين وتدبير أمورهم وحاجاتهم على مختلف الصعد.

وضمن هذا السياق، أكد المسؤولون السوريون للوزير اللبناني انه «لا توجد شروط مسبقة يمكن ان تعوق العودة او تؤخّرها، بل شددوا على انّ العكس هو الصحيح، «إذ صدرت تباعاً مجموعة من القرارات الرسمية وأحكام العفو المتعلقة بالحق العام، والتي تفضي الى منح كل التسهيلات الضرورية للنازحين من اجل تحفيزهم على العودة وطمأنتهم الى مصيرهم ومستقبلهم».

وتبلّغ مشرفية من أصحاب الشأن في دمشق انّ المرونة في تعامل ​القيادة​ السورية مع هذا الملف هي واسعة، الى حد انها تشمل النواحي الامنية والقضائية المعروفة بحساسيتها، الى جانب النواحي الاجتماعية والانسانية، وهو استمع من مضيفيه الى شروحات مفصّلة حول شبكة الامان الاجتماعي التي تغطي النازحين على كل المستويات.

وسمع مشرفية تأكيدات أنّ القيادة السورية لا تمانع في ان تزور المنظمات والهيئات الدولية، كلما شاءت، أماكن وجود العائدين لمعاينة الواقع من قرب والتثبّت من انّ سلامتهم الشخصية غير مهددة وانهم في أمان، ويلقون معاملة جيدة ويَحظون بكل حقوقهم.

ووفق الانطباعات التي تكوّنت لدى وزير السياحة والشؤون الاجتماعية، فإنّ «العودة أصبحت آمنة عملياً بعدما استعادت ​الدولة السورية​ السيطرة على الجزء الاكبر من اراضيها». وينقل عنه قوله «ان من لا يصدّق يستطيع ان يفعل كما فعل توما. وبالتالي، ما عليه سوى ان يضع إصبعه على الحقيقة، من خلال المعاينة الميدانية حيث سيكتشف انّ شروط العودة الآمنة اصبحت متوافرة على الارض، بمعزل عن التشويش الذي يحصل احياناً لأسباب سياسية».

وأكثر ما فاجَأ مشرفية انّ وزير السياحة أخبره أنّ اعداداً كبيرة من السياح زاروا سوريا خلال العام الماضي، وذلك في معرض تشديده على انّ الوضع العام آخذ في التحسّن. كذلك، استوقف الزائر اللبناني انّ الدولة السورية لم تلجأ الى نَصب الخيَم لاستقبال النازحين من الداخل الى الداخل، خلافاً للمخيمات التي تم إنشاؤها في دول الجوار.

وعلم انّ مشرفية سيرتكز الى حصيلة زيارته لدمشق ليستكمل خطة تنظيم عودة النازحين، والتي كان قد باشر إعدادها وقطع شوطاً كبيراً في اتجاه إنجازها، على أن يرفعها الى مجلس الوزراء في التوقيت المناسب، وتحديداً عقب التشاور في شأنها مع القوى الداخلية، وبعد ان تكون الحكومة قد تخفّفت نسبياً من ضغط الملف المالي الذي استأثر باهتمامها الكامل وتصدّر أولوياتها منذ أن أصبحت في «الخدمة»، علماً انّ ​البيان الوزاري​ يلحظ وضع هذه الخطة خلال 100 يوم من تاريخ نيل الثقة.

وينقل القريبون من مشرفية استغرابه لتحسّس البعض حيال زيارته لدمشق، متسائلاً: «كيف يمكن إتمام عودة النازحين الى وطنهم من دون التنسيق مع القيادة السورية المعنية مباشرة بتأمين متطلبات ​تحقيق​ هذا الهدف الذي هو موضع إجماع اللبنانيين، على اختلاف انتماءاتهم وخياراتهم؟».

ويعتبر مشرفية، حسب أوساطه، انّ التواصل مع دمشق أمر طبيعي وبديهي، في اعتبارها ممراً إلزامياً للبنان، سواء بالنسبة الى ​الصادرات​ الزراعية والصناعية او بالنسبة الى مقتضيات معالجة قضية النازحين. «وبالتالي، فإنّ من يعترض على هذا التواصل هو كمَن يُطلق النار على قدميه أو يعاقب نفسه، خصوصاً انّ لبنان هو المستفيد الاول والاكبر من عائدات التنسيق المشترك».