أَحَدُ الأُرثوذُكسيَّةِ هُوَ أوَّلُ أَحَدٍ مِن الآحادِ الخَمسةِ في المَرحلةِ الثّانيةِ مِن زَمَنِ التّريودي.

نَحمِلُ في هذا الأحدِ أيقُوناتِنَا ونَطُوفُ بِها بَعدَ القُدَّاسِ الإلهِيّ، في زِيَاحٍ مَهيبٍ، مُحتَفِلِينَ بِذِكرى انتِصَارِ الإيمَانِ المُستقِيمِ، بَعدَ حَربٍ ضَروسٍ ضِدَّ الأيقُوناتِ حَدَثَت بينَ القَرنَينِ الثَّامِنِ والتَّاسِعِ للميلاد، واستَمَرَّتْ مئةً وعِشرينَ عَامًا، فَدُمِّرَ وأُحْرِقَ الكَثيرُ مِن الأيقونات، وسُفكِتْ فيها دِماءُ العَديدِ مِنَ الرُّهبانِ والمُؤمِنينَ الّذينَ دافَعُوا بِشَراسَةٍ عَن لاهُوتِ الأيقُونةِ المُرتَبِطِ مُباشَرةً بِسِرِّ التَّجَسُّد.

فَبِصَيرُورَةِ اللهِ إنسانًا، دُونَ أن يَفقِدَ شيئًا مِن أُلوهِيَّتِهِ، أَصبحَ مِنَ الطّبيعِيّ أن يَكُونَ لِلرَّبِّ أيقُونَة.

فالَّذي كانَ غيرَ جَائِزٍ ومُحَرَّمًا في العَهدِ القَديمِ قَبلَ أن يَتَجسَّدَ المَسيحُ، أصبَحَ اليَومَ تَعبِيرًا عَن:"الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا"(يوحنا١٤:١).

اللهُ أصبَحَ إنسَانًا لِيتَألَّهَ الإنسانُ ويَقتَبِلَ الإلهِيَّات، وها أيقُونَاتُ قَوافِلِ القِدِّيسينَ تَشهَدُ عَلى ذَلك.

فَرَحُ هذا النَّهارِ يُترجِمُ الإيمَانَ القَويمَ الّذي أعلَنَهُ الرَّبُّ، وتَسلَّمنَاهُ مِنَ الرُّسُلِ الأطهارِ، وحافَظَتْ عليهِ الكَنيسَةُ على مَرِّ السِّنينِ، مِنَ خِلالِ آبائها القِدِّيسِين.

مؤمِنُونَ مِن كُلِّ الأعمَارِ، إكليريكيّونَ وعِلمَانِيّون، عائلاتٌ مَعَ أولادِهِم، يَحمِلُونَ في هَذا اليَومِ المَجيدِ أيقُوناتِ شُفعَائِهِم، ويَسيرُونَ في اصطِفَافٍ بَديعٍ، ليُعَبِّرُوا عَن وَدِيعَةِ الإيمانِ المُسَلَّمِ مِن جِيلٍ إلى جيل.

فمَا يَحدُثُ في هَذا الأَحدِ يَجعَلُ المَرءَ يَنتقِلُ بِالرُّوحِ مِنَ الأرضِ إلى السَّماء.

الأيقُونَةُ نَافِذَةٌ إلى المَلَكوتِ، ويَجِبُ الاقتِرابُ مِنها كإِنجيلٍ مَكتُوبٍ بِالرُّوحِ القُدُسِ، لَها مَكانتُها في حَياةِ المُؤمِن، يُقَبِّلُها ويَسجُدُ أمَامَها.

ولا سَمَحَ اللهُ أن نُفهَمَ خَطأً، نَحنُ لسنَا بِوَثَنيّينَ ولا نَسجُدُ لِخَشَبَة.

هذا تَسخِيفٌ للإيمَانِ، وإفرَاغٌ للجَوهَرِ، وتَزييفٌ للتَّارِيخ.

فالمَسيحيُّونَ قَدَّمُوا آلافَ الشُّهَداءِ الّذينَ رَفَضُوا عِبَادَةَ الأصنَامِ والسُّجودَ لَها.

فهَل عِندَما تُقَبِّلُ أُمٌّ صُورَةَ ابنِهَا تَكونُ تُقبِّلُ ورَقَةً، أمْ هي تُقَبِّلُ مَا تُمَثِّلُهُ الصُّورَة؟ وبِالتّالي ألا تَكونُ بِقُبلَتِها هَذِهِ تُتَرجِمُ حُبَّها لابنِها؟ وَالأمرُ ذَاتُهُ بِالنِّسبةِ للعَلَمِ وَلأيِّ كِتابٍ دِينيّ فِي أيّ مُعتَقَدٍ كان.

فإذا كانتِ البَشريَّةُ تُتَرجِمُ حُبَّها لإنسانٍ أو تَكريمَهَا لِوَطَنٍ، فَكيفَ يَكُونُ الأمرُ إذًا مَعَ مَن عَشِقَنا حتّى الفِدَاءِ، ألا وهُوَ الرَّبُّ يسوعُ المَسيح؟ وهُنا لا بُدَّ لنا مِن أن نُوضِحَ ونُشَدِّدَ على أنَّنا نَعبُدُ اللهَ، ونُكَرِّمُ القِدِّيسينَ، وعلى رأسِهِم والِدَةُ الإلَه، إذِ العِبَادَةُ لا تَجُوزُ إلا للهِ فَقَط.

قد يَقُولُ أحدُهُم، كيفَ للخَالِقِ المُنَزَّهِ والمُتعالِي أن يُصبِحَ إنسانًا؟ ولقد حيَّرتمُونا بِقَولِكُم إنَّ يسوعَ المَسيحَ هُوَ ابنُ اللهِ، وهُوَ في الوَقتِ نفسِهِ ربٌّ وإله. هَذِهِ الحَيرَةُ لَيست بِجَديدةٍ فِي التَّاريخ.

فَأكبَرُ سِرٍّ في العَالَمِ هُوَ سرُّ التَّجسُّدِ الإلهيّ، وهَذا مَا يُميِّزُ المَسيحيَّةُ عن كُلِّ المُعتَقَداتِ الأُخرى، فَالتَّجسُّدُ قِمَّةُ مَحبَّةِ اللهِ اللامُتناهِيةِ،ولا يُمكِنُ إدراكُ اللهِ إلّا بِالمَحبَّة.

حاشَا أن يَتَدَنَّسَ اللهُ ويَنقُصَ شيءٌ مِن مَجدِهِ بِتَأنُّسِه. هَذا تفكيرٌ يَنبُعُ مِن مَحدُودِيَّةِ العَقلِ البَشَريِّ المَخلُوق. فلا شيءَ أقوى مِنَ اللهِ لِيُشَوِّهَ جَوهَرَه.

وإذا سَألْنا ألا يَستطِيعُ الخَالِقُ الكُلِّيُّ القُدرةِ أن يَتَجَسَّد؟ يَكونُ الجَوابُ، بِالتَّأكيدِ يَستطيع.

إذًا ليسَتِ المُشكِلَةُ عِندَ اللهِ، بَل عِندَ مَن لم يَستطِعْ بَعْدُ تَقبُّلَ تَجَسُّدِه.

كذَلِكَ، في هَذا العِيدِ تُؤكِّدُ الكَنيسَةُ على أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنَّا هُوَ مَشرُوعُ أيقُونَةٍ حَيَّةٍ لله، وإن كَانَت غيرَ كامِلَةٍ، شَرطَ أن نُفَعِّلَ الرُّوحَ القُدُسَ فينا، فنَنضَمَّ إلى عَائلَةِ القِدِّيسِين.