منذ أن قررت ​المحكمة العسكرية​ الدائمة اسقاط جميع التهم الموجهة إلى الموقوف ​عامر الفاخوري​ في الملف العالق أمامها لمرور الزمن العشري عليها، لم تتوقف الأسئلة التي تثار حول هذه القضية، نظراً إلى التدخل الأميركي الواضح في الوصول إلى هذا القرار، خصوصاً أن ​الولايات المتحدة​ سعت، منذ اللحظة الأولى لتوقيفه، بالدفع نحو إخلاء سبيله.

حتى يوم أمس، كان من الممكن حصر المسألة بهيئة المحكمة، خصوصاً أن أبرز المعنيين بهذا الملف، أي "​حزب الله​"، حرص على عدم توجيه أي إتهام سياسي على هذا الصعيد، لا سيما أن السهام توجه إلى أحد أبرز حلفائه، أي "​التيار الوطني الحر​"، لكن بعد نقل الفاخوري إلى الخارج، في ظل قرار منع السفر الصادر عن قاضي الأمور المستعجلة في ​النبطية​ أحمد مزهر، بالإضافة إلى إغلاق الأجواء ال​لبنان​ية بموجب قرار التعبئة العامة الصادر عن ​مجلس الوزراء​، لم يعد من الوارد القول ان هذه الهيئة تتحمل المسؤولية وحدها دون سواها، بالرغم من أنها كانت قادرة على رفض أن تكون الأداة التنفيذية له.

من ناحية الشكل، أي حضور ​طائرة​ أميركية إلى مبنى السفارة في عوكر لنقل الفاخوري، يجب الحديث عن تهريبه، خصوصاً أنه ممنوع من السفر بموجب قرار قضائي، ما يوجب السؤال عن مسؤولية الجهة التي منحت الطائرة الاذن، خصوصاً أن جميع المعنيين في لبنان كانوا يتحدثون عن سعي ​واشنطن​ إلى إخراجه من لبنان، بعد أن كانت جهزت طائرة خاصة لتولي المهمة يوم الأحد الماضي، أي قبل تاريخ صدور القرار عن المحكمة العسكرية، لكنها لم تحضر بسبب قرار منع السفر الصادر بحقه.

وعلى الرغم من أن كل ما تقدم يؤكد أن المسؤولية تتخطى المحكمة العسكرية، إلا أن ما أعلن عنه الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ قطع الشك باليقين، لناحية توجيه الشكر إلى ​الحكومة اللبنانية​ لتعاونها بالإفراج عنه، وبالتالي، بناء على ترامب، فإن هذه الحكومة مسؤولة أمام اللبنانيين، وعليها واجب الكشف عن حقيقة ما حصل في هذا الملف لخطورته، التي لا تثبت فقط أن لا قضاء مستقل في البلاد بل أنها هي نفسها خضعت لضغوط واشنطن، وأجبرت على الإفراج الّذي حصل دون قيد أو شرط، بحسب ما هو معلن حتى الآن، على وقع التهديدات بفرض المزيد من العقوبات على بعض الشخصيات السياسية والأمنية والقضائية.

وهنا، على "حزب الله" ألاّ يكتفي بالحديث عن مسؤولية هيئة المحكمة، التي يعتبر أن رئيسها العميد ​حسين عبدالله​ هو المسؤول المباشر عما حصل، بل عليه أن يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، أي إلى المسؤولين السياسيين الذين ضغطوا على الهيئة، خصوصاً أن الحكومة التي توجه لها ترامب بالشكر لا تضم إلا قوى وشخصيات حليفة له، لأن حجم الإهانة بات أكبر، خصوصاً بعد قرار منع السفر الصادر، ما يدفع إلى السؤال عما إذا كانت هذه الحكومة سترضخ لأي ضغوط جديدة، في ​المستقبل​، ربما تكون في ملفات أكثر ​حساسية​ من هذا الملف، فهل يكشف أمين عام الحزب ​السيد حسن نصرالله​ كل ذلك، أم يكتفي بعرض موقف الحزب الرافض لما حصل، ثم تحميل المسؤولية إلى القوانين اللبنانية وهيئة المحكمة؟.

في المحصلة، هي إهانة تؤكد سقوط كل شعارات السيادة والحرية و​الاستقلال​ معاً، لكن السؤال الأساسي يبقى عما إذا كان هناك في ​الدولة اللبنانية​ من يجرؤ على كشف حقيقة ما جرى بشكل واضح وعلني، لربما يقتنع المواطنون بأن الثمن الذي حصل عليه البعض يستحق الإفراج عن الفاخوري، رغم كل التهم الموجّهة إليه، بهذه الطريقة، التي قد تؤدّي إلى ​تفجير​ الأوضاع في السجون.