لم يكن مفاجئاً أن يسعى الأمين العام لـ"​حزب الله​" ​السيد حسن نصر الله​ إلى احتواء "العاصفة" التي تسبّب بها إطلاق ​عامر الفاخوري​، ومن ثمّ "تهريبه" برعايةٍ مباشرةٍ من ​الولايات المتحدة​، وانطلاقاً من ​السفارة الأميركية​، إلى خارج البلاد، على رغم صدور قرارٍ قضائيّ بـ"منع السفر" عنه.

وعلى رغم "الإحراج" الذي سبّبه الملفّ، بكلّ تفاصيله وحيثيّاته، إلى "الحزب"، خصوصاً بعد الشكر الذي وجّهه الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ إلى ​الحكومة اللبنانية​ تحديداً على إطلاق الفاخوري، فإنّ نصر الله وجدها فرصةٍ لتأكيد المؤكّد بالنسبة إليه: "حزب الله" ليس الحاكم بأمره، والحكومة ليست حكومته.

بيد أنّ ما "صدم" الكثيرين في خطاب الرجل، تمثّل في "القسوة" التي تعاطى بها مع بعض "الحلفاء والأصدقاء"، وصولاً إلى حدّ "التنصّل" من صداقتهم، الأمر الذي مثّل "سابقة" من نوعها، بعدما كان الكثيرون من خصوم الحزب "يحسدون" حلفاءه في العلن على ما يحظون به من تمييز.

فلماذا وضع "حزب الله" أصدقاءه وحلفاءه في "قفص الاتهام"؟ وهل ضاع ذرعاً بهم فعلاً، إلى حدّ القبول بـ "التضحية" بهم؟ وهل ينعكس ذلك "اهتزازاً" للعلاقات على خطّ المحور، الذي لطالما شكّل "الحزب" أحد أعمدته الرئيسيّة؟!.

"مزايداتٌ" وأكثر!

"من الآن وصاعداً نحن في حزب الله لا نقبل من حليف أو صديق أن يتّهم أو يشكّك أو يشتم وإلا فليخرج من صداقتنا".

هو كلامٌ واضحٌ أطلقه نصر الله في سياق إطلالته التلفزيونية الأخيرة، التي "اضطر" إلى تخصيصها للمفارقة، أو ربما "من نكد الدهر" على حدّ توصيفه، من أجل "الدفاع عن موقف ​المقاومة​ من عميلٍ قتل وعذّب أهلنا وإخوتنا"، وفق قوله.

ولا يبدو فعل "الضرورة" الذي استخدمه نصر الله في إطار توصيف "حيثيّات" إطلالته، عبثياً أو هامشياً، بل يأتي على وقع "الإحراج" الذي وقع به مع تنامي "الحملات" على "حزب الله"، الذي اتُهِم بأنّه كان مشاركاً، مباشرةً أو مواربةً، بـ"صفقة" إطلاق الفاخوري، أو على الأقلّ كان "شاهد زورٍ" عليها، تماماً كما يصف كثيرون موقفه "المتفرّج" على "فساد" بعض الحلفاء.

ولعلّ إدراك أنّ معظم هذه "الحملات" خرج من رحم "أهل البيت"، أي "الحلفاء والأصدقاء"، قد يكون كافياً لتفسير "سخط" نصر الله، الذي دعا صراحةً جمهوره إلى إخراج كلّ من "يشكّك بالمقاومة" من دائرة "أصدقائها"، خصوصاً بعدما رأى أنّ خصوم "الحزب" هم الذين وقفوا موقف "المتفرّج"، ربما لتفادي "الحرج" مع أصدقائهم الأميركيّين، أو لأنّ أصدقاء الحزب "كفّوا ووفّوا" كما يُقال، وهنا الأهمّ.

وانطلاقاً من ذلك، تعمّد نصر الله استخدام "القسوة" في رسالته إلى "الأصدقاء والحلفاء"، ليس من باب منع "النقد"، وهو ما يقول المقرّبون من "الحزب" إنّه يحصل دائماً، سواء في العلن أو في الغرف المغلقة، ولكن قبل ذلك، من باب قمع "المزايدات" التي تضرّ بالحزب ولا تنفعه، خصوصاً عندما يسعى هؤلاء "الحلفاء" إلى إظهار الحزب وكأنّه تخلّى عن "مبدئيّته"، وأنّهم باتوا أكثر "غيرة" على مفهوم "المقاومة" منه.

هل قصد "التيار"؟!

لكن، إذا كان مُبرّراً، ولو نسبياً، "امتعاض" نصر الله من بعض "الأصدقاء والحلفاء"، بعدما عمّقوا "الحرج" الذي تسبّبت به قضية الفاخوري على موقفه أصلاً، بدليل اضطراره إلى تخصيص كلمةٍ للمناسبة، فإنّ "النافر" قد يتمثّل في ما سُمّيت بـ"لوائح العار"، والتي تطوّع بعض "المحسوبين" على جمهور "الحزب" إلى تداولها على وسائل التواصل الاجتماعيّ، والتي من شأنها أن تسيء للحزب مجدّداً، أكثر من أيّ أحدٍ آخر.

وفي حين انبرى بعض "المعنيّين" في محاولةٍ لـ"توضيح" مواقفهم، خشية إخراجهم ربما من دائرة "الصداقة"، رافضين وضعهم في خانة "المشكّكين بالمقاومة"، بقي "اللغز الأكبر" برأي كثيرين يكمن في موقف "​التيار الوطني الحر​"، وسط علامات استفهامٍ كبرى، فهل قصده نصر الله بخطابه، خصوصاً أنّ سجالاتٍ "افتراضيّة" بالجملة دارت بين مناصري الطرفين على شبكات التواصل، منذ لحظة صدور القرار القضائيّ بإطلاق الفاخوري، ولو خفّت وطأتها بعد بيان "التيار" النافي لأيّ دورٍ له على هذا الصعيد.

هنا، تباينت وجهات النظر، إذ ثمّة من اعتبر رئيس التيّار الوطني الحر ​جبران باسيل​ مشمولاً، بشكلٍ أو بآخر، باللائحة التي قصدها نصر الله، خصوصاً أنّه لم يأتِ على ذكره من قريبٍ أو من بعيدٍ في خطابه، بعكس الحال مثلاً مع رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​، بل ثمّة من قرأ "تلميحاً" غير مباشر لباسيل عند حديثه عن أشخاص "فاتحوه" بقضيّة الفاخوري، وأبلغهم رفضه أيّ بحثٍ بها. لكن، في المقابل، ثمّة من رأى أنّ نصر الله كان واضحاً بأنّ "العتب" على "الحلفاء" كان بسبب "المزايدات"، الأمر الذي لم تقع فيه قيادة "التيار"، التي وضعها أصدقاء "الحزب" أصلاً في "قفص الاتهام" أيضاً وأيضاً، علماً أنّ بعض هؤلاء "الأصدقاء" تمادى في السلوك "التخويني"، ولم يتوانَ عن "توريط" ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ نفسه به.

ولكن، على رغم هذا الاختلاف في المقاربة، فإنّ الأكيد برأي كلّ الأطراف، أنّ الأمر لن ينعكس على العلاقة بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، وذلك لانتفاء "المصلحة" من أيّ "اهتزازٍ" يمكن أن يصيب هذا "التفاهم"، فضلاً عن أنّ "المصلحة المتبادلة" من ترسيخ التلاقي بين الجانبين تبقى أقوى وأمتن من أيّ شيءٍ آخر، خصوصاً أنّ انهيار "التقاطع" بين الجانبين يكاد يكون بمثابة سقوطٍ في "المحظور"، سواء لـ"حزب الله" الذي لا يزال بحاجة إلى مظلّة "التيار" داخلياً وخارجياً، أو لـ"التيار" الذي يقول البعض إنّه خسر كلّ حلفائه، ولم يبقَ له سوى "الحزب".

أوْلى بالمعروف!

لا شكّ أنّ "حزب الله" شعر بالإحراج نتيجة ملابسات قضية إطلاق عامر الفاخوري، خصوصاً بعدما بدت "حُجّته" بعدم المعرفة المُسبَقة به عصيّة على التصديق، برأي كثيرين من الأصدقاء قبل الخصوم، ولو ذهب بعضهم إلى مقارنتها بخطاب "لو كنت أعلم" الذي تلا حرب تمّوز.

وإذا كان "الحزب" تمسّك بموقفه الذي يعزّز مقولته الدائمة أنّه ليس الآمر الناهي في البلاد، بخلاف الشائع، وأنّ الحكومة التي شكرها ترامب ليست حكومة "حزب الله"، على رغم الدعاية المُبالَغ بها، فإنّ ثمّة من حمّله المسؤولية، على الأقلّ بعدم "تدارك" الثغرة القانونية في الوقت المناسب، لجهة سقوط "الجرم" بمرور عشر سنواتٍ عليه.

لكن، إذا كان صحيحاً أنّ أصدقاء "الحزب" صعّبوا مهمّته وعقّدوها، ما استوجب "القسوة" معهم، ثمّة من يرى أنّ "أهل البيت" هم أوْلى بهذا المعروف، والمقصود بهؤلاء بعض "الأبواق" من الناشطين افتراضياً، والذين لا يتعدّون فقط الحدود التي تحدّث عنها نصر الله نفسه، لجهة التخوين والشتيمة، بل يسيئون له أكثر من أيّ صديقٍ أو خصمٍ بالمُطلَق...