من المُتوقّع أن تحمل الأيّام القليلة المُقبلة، سلسلة من المواقف والتدابير التي من شأنها أن تُحدّد مصير ال​لبنان​يّين المُنتشرين في مُختلف أنحاء ​العالم​، والراغبين بالعودة إلى لبنان في ظلّ هذه الظُروف الصعبة التي يعيشها العالم بسبب وباء ​كورونا​. وخلال الأيّام القليلة المُقبلة سيتحدّد أيضًا مصير ​العام الدراسي​ 2019–2020. فما هي التوقّعات والمَعلومات المُتوفّرة بشأن هذين الملفّين؟.

في ما خصّ ملفّ إعادة اللبنانيّين من الخارج، فقد كان الإتجاه الأوّلي أن يبقى كل لبناني حيث هو، على أن يتمّ التواصل معه عبر السفارات والقنصليّات اللبنانيّة في مُختلف دول العالم، لتوفير مُستلزمات الصُمود له، إن عبر تحويلات مَصرفيّة من لبنان أو عبر مُساعدات من أبناء الجاليات نفسها، وذلك خشية أن يرتفع عدد المُصابين بوباء كورونا في لبنان بشكل سريع،في حال فتح باب العودة عَشوائيًا، وأن يتجاوز بالتالي قُدرة الجهات الطبيّة والإستشفائيّة على التعامل معه، ناهيك عن الكلفة الماليّة الكبيرة لتأمين العودة. لكن بعد إرتفاع الصرخات والمُناشدات من لبنانيّي الخارج، بالتزامن مع إشتداد الضُغوط من قبل أكثر من فريق سياسي لبناني أساسي، سقط هذا الخيار، وجرى الإنتقال إلى مرحلة تأمين عودة كل من يرغب من اللبنانيّين إلى بلده الأمّ، لكن وفق تدابير مُنظّمة.

ومن المُتوقّع بالتالي أن تُحسَم في الساعات المُقبلة، الإجراءات التنفيذيّة لتنظيم رحلات العودة إلى لبنان، وذلك بقرارات ستصدر عن ​مجلس الوزراء​ مُجتمعًا، مع الإشارة إلى أنّ القارتين اللتين تشهدان أعلى نسب طلبات ومُناشدات من لبنانيّين في الخارج للعودة، هما ​أوروبا​ وإفريقيا: الأولى بسبب إرتفاع نسبة الإصابات بشكل كبير وسريع، والثانية بسبب ضُعف البنية الطبّية والإستشفائيّة، مع تسجيل أعداد أقلّ ترغب بالعودة من القارتين الآسيويّة والأميركيّة. وبالتالي إنّ قلق اللبنانيّين في الخارج مزدوج، ويتركّز على الخوف من أن يُصيبهم وباء كورونا من جهة، وعلى أن تعجز السُلطات المحليّة حيث هم، من تأمين الطبابة المَطلوبة لهم، إن بسبب ضُعف القُدرات الإستشفائيّة في بعض الدول، أو بسبب إعطاء الأولويّة لغير المُقيمين والأجانب في بعض الدول الأخرى.

وبحسب المَعلومات المُتوفّرة، سيتمّ فتح باب طلبات العودة أمام لبنانيّي الإنتشار، لدى كل سفارة وقنصليّة لبنانيّة في الخارج، بحيث يتمّ تقييم عدد اللبنانيّين الراغبين بالعودة من كل دولة أجنبيّة. وبعد ذلك، سيتمّ فتح المطار أمام مجموعة من رحلات العودة المُتتالية، بالتنسيق مع ​طيران الشرق الأوسط​ بالدرجة الأولى، وحتى مع وكالات طيران أخرى في الدول التي لم تُغلق مجالها الجوّي كليًا بعد، في حال توفّر هذا الخيار. وعُلم أيضًا، أنّ من بين الخيارات المَطروحة إرسال فريق طبّي مُتخصّص مع كل طائرة إجلاء ستنطلق من ​بيروت​، لإجراء فُحوصات ميدانيّة للبنانيّين الراغبين بالعودة قبل صُعودهم إلى الطائرة، في الدول التي لا قُدرة للجاليات اللبنانيّة فيها على إجراء فُحوصات مخبريّة تؤكّد وضع المُغادرين الصحّي، وتحديدًا خلوّ أجسامهم من الوباء.

لكنّ الصُعوبات المَيدانيّة أمام تنفيذ خُطط الإجلاء كبيرة جدًا، وهي تبدأ بالكلفة الماليّة الباهظة–وإن كانت بعض الجاليات أبدت إستعدادها للمُشاركة في تحمّل الأعباء الماديّة، وتمرّ بالصُعوبات التنفيذيّة لأي رحلة إجلاء بفعل إقفال الكثير من المطارات الدَوليّة أمام الحركة الجويّة، وتعذّر تنقّل اللبنانيّين برّيًا بين المُدن والمناطق للوُصول إلى نقطة الإجلاء، ولا تنتهي عند صُعوبة إجراء الكُشوف الطبّية على كلّ الراغبين بالعودة، ناهيك عن إرباك على مُستوى كيفيّة التعامل مع من سيظهر أنّه يحمل وباء كورونا! أكثر من ذلك، إنّ عودة مئات، بل آلاف اللبنانيّين، من الخارج خلال فترة زمنيّة قصيرة، ستفرض المزيد من الضُغوط على ألسُلطات اللبنانيّة لإيجاد ولتحضير أماكن العزل الإجتماعي والحجر الصحّي. وكل هذه التفاصيل، ستكون محلّ نقاش مُستفيض خلال الساعات والأيّام القليلة المُقبلة.

الملفّ التربوي...

بالإنتقال إلى الملفّ الثاني المُرتبط بمصير العام الدراسي الحالي، وبطبيعة الحال بمصير الإمتحانات الرسميّة، فإنّ الإشاعات والأخبار غير الصحيحة تفوق المُعطيات الحقيقيّة. والأكيد حتى الساعة، أنّه لم يتمّ إتخاذ أيّ قرارات حاسمة ونهائية، لا بشأن إنهاء العام الدراسي، ولا بشأن إلغاء الإمتحانات الرسميّة للشهادتين المُتوسّطة والثانويّة. ومن الضروري الإشارة إلى أنّ أكثر من مُشكلة تُواجه وزارة التربيّة والمدارس في هذا الصدد، علمًا أنّ قرار تعليق العام الدراسي الذي بدأ تنفيذه في التاسع من آذار الحالي، يوم كان عدد الإصابات بوباء كورونا مَحدودًا جدًا، لا يُمكن أن يُلغى بعدما إرتفع عدد المُصابين إلى نحو 500، والحبل على الجرّار! وعلى الرغم من إدراك ​وزارة التربية​ لهذه الحقيقة الصعبة، فإنّها لا ترغب بالتسرّع في إتخاذ قرارات لا يُمكن العودة عنها، كما فعلت بعض الدول العربيّة والغربيّة التي علّقت العام الدراسي نهائيًا لديها لهذا العام.

وبحسب المَعلومات المُتوفّرة، فإنّ الوزارة التربيّة ستُتابع دراسة المُعطيات وتقييم التطوّرات الخاصة بارتدادات وباء كورونا على مُختلف الصُعد، لإتخاذ القرارات المُلائمة في الوقت المُناسب. والمشاكل التي تواجهها مُتعدّدة، وهي مادية وتطبيقيّة ومَعنويّة في آن واحد. وفي هذا السياق، ترغب ​المدارس الخاصة​ بإبقاء باب إستئناف العام الدراسي مَفتوحًا، حيث يُمكن-في حال مُعاودة الدراسة في مرحلة ما من أيّار مثلاً، إضافة شهر تمّوز إلى العام الدراسي الحالي الذي ينتهي عادة في حزيران، وبالتالي تعويض التلاميذ جزءًا ممّا فقدوه، لكن لا بوادر بإمكان السيطرة على إنتشار الوباء قريبًا، ما يعني أنّ خطر إنهاء العام الدراسي أصبح واقعيًا أكثر! وهنا تبرز مُشكلة أخرى، تتمثّل في كيفيّة حثّ أولياء الطُلاب على تسديد الأقساط المدرسيّة، للحفاظ على قُدرة المدارس على دفع رواتب الأساتذة والمُعلّمين، في الوقت الذي حالت إحتجاجات الشارع السابقة، والتعثّر الإقتصادي، دون دفع الكثير من الأهالي للقسطين الأوّلين، لتأتي أزمة كورونا وتُسدّد ضربة إضافيّة قاتلة! أكثر من ذلك، إنّ جُهود التعليم عن بُعد، نجحت في إبقاء التلاميذ في أجواء الدراسة إلى حدّ ما، لكنّها لا يُمكن أن تُشكّل بديلاً عن التعليم المُباشر، في ظلّ تفاوت كبير بين قُدرات المدارس المَعنية على تطبيق هذا النوع من التعليم، وكذلك في ظلّ تباين كبير في قُدرات التلاميذ وأوليائهم على تلقّيه، ما سيخلق تفاوتًا في المُستوى التعليمي لكلّ الطلاب، يحول دون إجراء أي إمتحانات عادلة. ومن المشاكل أيضًا، كيفيّة إحتساب ساعات تعاقد الأساتذة في القطاع الرسمي في ظلّ التعطيل الحالي، علمًا أنّ وزارة التربية تعمل على حلّ مقبول لهذه المُشكلة.ولا رغبة حتى الساعة بإلغاء الإمتحانات الرسميّة، للإبقاء على القيمة المَعنويّة للشهادات المدرسيّة في لبنان، علمًا أنّ فرص إلغاء الشهادة المُتوسّطة لهذا العام باتت أعلى من فرص إلغاء الشهادة الثانويّة، في إنتظار البتّ النهائي بهذا الموضوع.

في الخُلاصة، إنّ المشاكل التي سبّبها وباء كورونا لا تُعدّ ولا تُحصى، وهي وإن كانت أصابت العالم أجمع، فإنّ إرتداداتها السلبيّة في لبنان جاءت أكبر وأكثر فداحة، بسبب مجيئها في وقت كان لبنان يمرّ فيه بإحدى أصعب مراحله الإقتصاديّة والماليّة، ما زاد الطين بلّة! لكن على الرغم من ذلك، ستحمل الأيّام المُقبلة، بدايات حُلول-بما تيسّر من إمكانات، لملفّ إعادة اللبنانيّين من الخارج، وكذلك بداية سلسلة من القرارات تُحدّد مصير العام الدراسي والإمتحانات–بناء على ما يُمكن تنفيذه على الأرض من جهة، ووفق مبدأ الحُلول الأقلّ سوءًا من جهة أخرى!.