لأول مرّة في التاريخ الحديث تعاني شعوب ​العالم​ أجمعين من أزمات متشابهة، لا تقتصر فقط على ​كورونا​ وتداعياتها. بل تطال يوميات المواطنين، في معيشتهم ومصادر أرزاقهم. تعمّ ​البطالة​، ويزداد ​الفقر​، إلى حدٍ يفرض إعادة النظر بكلّ النُظم الإجتماعية، ثم الإقتصادية، وبالتالي السياسية. قد يكون من السابق لأوانه حسم خيارات الدول في هذا الإطار. لكن المؤشرات بدأت تتظهّر، بغض النظر عن تمدّد كورونا، أو إنحسار الفايروس. هناك أزمات أخرى، لن يحدّ منها إيجاد علاج لكورونا.

ماذا ستفعل الدول المعنيّة بتسويق ​النفط​؟ سيُعقد إجتماع الخميس المقبل ل​منظمة أوبك​، للإتّفاق على الإنتاج بين ​السعودية​ و​روسيا​ الإتحادية و​الولايات المتحدة​ الأميركية ضمناً، وفي حال الفشل بالوصول إلى إتفاق، ستنخفض أسعار النفط إلى حدود غير مسبوقة. يعني ذلك أن إقتصادات دول عدة ستنهار، خصوصاً تلك التي وضعت ميزانياتها على أساس مبيع وفق الأسعار المرتفعة. مما يؤكد أنّ الأزمات ستتوالى. لن يتوقف الأمر على دولة أو إقليم. فليتم إستحضار ما جرى في ​الولايات المتحدة الأميركية​:إفلاس أول شركة نفط صخري أميركية. وهي بذلك تكون أول شركة تعلن بدء إفلاسها في الوقت الحالي بسبب هبوط أسعار النفط الخام، فهل يكرّ الإعلان عن الشركات النفطية المُفلسة؟ الشركة المذكورة قالت في بيان، إنها بدأت عملية إعادة هيكلة ماليّة بسبب انخفاض أسعار ​الطاقة​، علما انها تمتلك 585 مليون ​دولار​ في حساباتها المصرفية، لكنها مدينة بقروض قيمتها 2.2 مليار دولار. وإذا كانت الأسعار المتهاوية تسبّب إفلاس هذه الشركة، لا يوجد عوائق أمام إعلان شركات أخرى الإفلاس. مما يعني أن ​الوضع الاقتصادي​ الأميركي سيُصاب بإنتكاسات كبيرة تُطيح بكل مفهوم ادارة الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ للملف الإقتصادي-المالي.

ستعم الانتكاسات ايضاً في دول العالم، وستطال شرائح الشعوب الفقيرة التي تحصل على قروض وهبات دوليّة لم تعد متوافرة في الصناديق الدوليّة. لقد بدأ العالم يدفع اثمانا غالية للبذخالمالي الذي خصّصه على ميزانيات الأسلحة. بينما حان وقت التفكير بتركيب ​منظومة​ إقتصادية عالمية مختلفة تقوم على أسس صناعية مختلفة.

تحاول ​الصين​ أن تفرض نفسها بطلاً في حرب الجيل الخامس، مستندة إلى عوامل صناعيّة ضخمة، والى تمدّد إنساني حصل الآن لمؤازرة الشعوب جرّاء فايروس كورونا. لكن الأميركيين المتربعين على عرش العالم لعقود طويلة لن يتنازلوا بسهولة عن قيادته، ولو كلف الامر الولايات المتحدة حروباً عسكرية ضخمة. ومن هنا يمكن الاطلالة على الإنسحاب الأميركي القائم من ​العراق​ الآن. وتشير المعلومات ان القرار اتخذ بمغادرة المنطقة، وان التفاوض سيجري بين ​واشنطن​ و​بغداد​ حول انسحاب آمن ستكون ​طهران​ معنية به. ولذا، فإن هناك نشاطا بين بغداد وطهران رغم مخاطر كورونا.

ستكون بعدها المنطقة مختلفة، لحروب يفرضها الفقر والعوز، أو لمرحلة انتقاليّة لن يرسّخها الا عامل الوحدة المفقود في ظل تباين إقليمي. الا اذا استطاعت الأزمات ان تصنع تواضع الدول والاتفاق لمصلحة شعوبها. وهو أمر مستبعد حتى اللحظة.

تبقى كل السيناريوهات قائمة، لكن المحسوم هو أن تغييرات تحصل على مستوى العالم، وسيدفع فيها الضعيف ثمن الفقر بحروب او هجرة. انّ المرحلة تشبه ما حصل بعد الحرب العالميّة الاولى منذ أكثر من مئة عام.