من المُتوقّع أن يعقد ​المجلس الأعلى للدفاع​ إجتماعًا له غدًا الخميس، لتقييم ما تحقّق من نتائج بفضل قرار "التعبئة العامة"، على أن يرفع توصية بتمديدهاوالتي كان يُفترض أن تنتهي يوم الأحد المقبل في 12 نيسان، لما لا يقلّ عن أسبوعين إضافيين. وبحسب المَعلومات، فإنّ ​مجلس الوزراء​ الذي سيعقد جلسة له الخميس أيضًا، سيُصدر قرارًا جديدًا بتمديد "التعبئة" بسبب إستمرار مخاطر تفشّي وباء ​كورونا​. وبالتالي السؤال الذي يفرض نفسه تلقائيًّا هو: كيف سيتمكّن الأشخاص الذين فقدوا أعمالهم، والذين مُنعوا من مُمارسة مِهنهم، من الصُمود حياتيًا، أي من تأمين قُوتهم اليومي؟.

لا شكّ أنّ الأزمات الإقتصاديّة والحياتيّة والمَعيشيّة التي فرضها وباء كورونا على ​العالم​ أجمع، لا تُعدّ ولا تُحصى، لكنّ هذه المشاكل مُضاعفة الأضرار في ​لبنان​. ففي كثير من دول العالم المُتقدّم، جرى توفير إعانات ماليّة شهريّة لكل الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم بسبب أزمة الوباء العالمي(1)، علمًا أنّ الكثير من هذه الدُول يؤمّن أصلاً إعانات شهريّة لفترة زمنيّة لا بأس بها، لكل شخص يفقد وظيفته ويُصبح عاطلاً عن العمل، حتى خلال الظروف العادية(2). أمّا في لبنان، فلا وُجود لهكذا أنظمة دعم مالي للحالات الطارئة، والقرار الذي إتخذ بصرف إعانات ماليّة بقيمة أربعمئة ألف ليرة لبنانية للعائلات الأكثر حاجة، جيّد، لكنّه مَحدود الفعاليّة ولا يطال سوى قسمًا صغيرًا من العائلات التي هي بحاجة إلى دعم مالي فعلي في هذه الظُروف الصعبة. والمُشكلة أنّ الكثير من اللبنانيّين كانوا فقدوا مخزونهم المالي الإحتياطي بفعل ​الأزمة​ الإقتصاديّة والماليّة التي تفجّرت إعتبارًا من 17 تشرين الأوّل من العام الماضي، والكثير منهم فقد عمله خلال الأشهر القليلة الماضية، لتأتي أزمة وباء كورونا في خضمّ هذه الظروف الإقتصاديّة القاسية. أكثر من ذلك، لا ننسى مُعاناة اللبنانيّين المُستمرّة مع ​المصارف​، لجهة ​العجز​ عن سحب "قرشهم الأبيض ليومهم الأسود"، علمًا أنّ القرار المُعتمد من جمعيّة المصارف حاليًا، والذي قضى بحصر السُحوبات الماليّة بأجهزة السحب الآليّة،تسبّب بالمزيد من المُعاناة بالنسبة إلى الأشخاص الذين لا يملكون بطاقات سحب إلكترونيّة، ولأولئك الذين يملكون حسابات ب​الدولار​ الأميركي فقط، ولا يُمكنهم بالتالي سحب أيّ أموال إلا ب​الليرة اللبنانية​ وفق سعر صرف بعيد عن سعر السوق الحقيقي، ما يعني إرغامهم على التنازل عن نصف قيمة أموالهم بالقُوّة من قبل المصارف، حتى لا نستعمل كلمات أشدّ قساوة!.

من هنا، صحيح أنّ على الحُكومة في لبنان تمديد فترة "التعبئة العامة"، لأنّنا لا نزال في خضمّ مرحلة مُواجهة الوباء، وأرقام الإصابات في خطّ تصاعدي مُستمرّ، ويجب الحدّ من تضخّمها ومنع الوُصول إلى مرحلة يعجز فيها الجهازان الطبّي والإستشفائي من مُعالجة المُصابين، لكنّ الأصحّ أنّ قرارات منع التجوال وحصر الأعمال بفئات مَحدودة، يجب أن تترافق مع قرارات دعم للفئات التي فقدت أعمالها وتلك المَمنوعة من العمل. وهنا، يجب على السُلطات الرسميّة المَعنيّة التنبّه إلى أنّ مُوظّفي القطاع الرسمي بشقّيه المدني والعسكري، وأصحاب المحال التجاريّة، والعاملين في وظائف لا تزال مُنتجة عبر شبكة "​الإنترنت​"، وكذلك العاملين في بعض القطاعات الأخرى المُستثناة من "التعبئة العامة"، لا يُمثّلون سوى جزء من ​الشعب اللبناني​. وبكل بساطة، إنّ شرائح واسعة أخرى من المُجتمع اللبناني قابعة في منازلها من دون عمل، وهي لن تحصل على أيّ راتب نهاية نيسان الحالي، وفي الأشهر التالية، في حال إستمرار حال "التعبئة العامة". وهذه الضائقة تتوسّع وتزيد مع مُرور الوقت، وهي غير مَحصورة بالعاملين بشكل يوميّ، على غرار السائقين العُموميّين وبعضأصحاب المهن الحُرّة–كما يظنّ الكثيرون، بل تشمل الكثير من المُوظّفين في ​القطاع الخاص​ الذين يتقاضون راتبًا شهريًا، وأعمالهم مُتوقّفة حتى إشعار آخر. حتى أنّ الأزمة المَعيشيّة بدأت تدقّ أبواب المُعلّمين والأساتذة في ​المدارس الخاصة​، مع إستمرار مُرور الأشهر من دون تسديد الأقساط من قبل عدد كبير من أهالي التلاميذ و​الطلاب​، إلخ.

وبما أنّ أزمة كورونا مُرشّحة لأن تطول في لبنان والعالم أجمع، يجب أن تنصبّ كل الإجتماعات الرسميّة على إيجاد الحُلول لمنح الناس القُدرة على الصُمود، حتى مع تقلّص المَصاريف نسبيًا خلال مرحلة العزل المنزلي. وكما جرى إصدار قرارات تهدف إلى تنظيم التنقّل على الطُرقات، وأخرى لمنع الإزدحام، يجب إصدار قرارات تُتيح عودة بعض المُوظّفين والعُمّال إلى مُمارسة أعمالهم، ولوّ ليوم أو ليومين في الأسبوع، بشرط أن تكون طبيعة هذه المُهن لا تستوجب الإختلاط عن قرب، وبعد تطبيق إجراءات الحماية من إنتشار الوباء. كما يجب توسيع المُساعدات الماليّة لتشمل أكبر قدر مُمكن من العُمّال والمُوظفين الذين فقدوا أعمالهم، لا سيّما أولئك الذين يملكون رقمًا ماليًا في ​الضمان​ ويعملون بشكل قانوني، من دون أن يكون الحُصول على هذه المُساعدات مُذلاً، لأنّ أحدًا من أصحاب المؤسّسات والشركات لن يلجأ إلى حلّ الإستدانة والتسديد بالتقسيط لدفع رواتب المُوظّفين والعُمّال من دون السماح له بمُمارسة أيّ عمل مُنتج، كما إقترح البعض!.

وفي الخُلاصة، "التعبئة العامة" ضروريّة جدًا لمنع تفشّي وباء كورونا بسرعة كبيرة في لبنان، وللحفاظ بالتالي على قُدرة الجهازين الطبّي والإستشفائي على التعامل مع الإصابات. لكن من الضروري جدًا المُسارعة إلى توفير الدعم للقطاع الخاص، وتحديدًا لكل شخص فقد عمله أو جرى تجميد وظيفته مرحليًا، وذلك بأي وسيلة مُمكنة، لأنّ قُدرة صُمود الكثير من العائلات بلغت نهايتها، وهي ستنهار قريبًا جدًا تحت وطأة الجوع والعوز، وعندها ستخرج كل الأمور عن السيطرة... إن في ظلّ وباء كورونا أومن دونه أيضًا!.

(1) في كندا مثلاً، خصّصت الحُكومة إعانة شهريّة بقيمة 2000 دولار كندي (قبل حسم ​الضرائب​) لكل شخص له رقم ضمان، وفقد عمله بسبب كورونا، وذلك لمدّة أربعة أشهر، وفي حال لم يتمّ إعادته إلى عمله بعد إنقضاء هذه المُدّة، يحصل على إعانة "عاطل عن العمل" المَعمول بها في الظروف العادية وهي لمدّة تسعة أشهر، والتي تختلف قيمتها تبعًا لراتب الشخص المَعني.

(2) تتراوح بين بضعة أشهر وبضع سنوات، وذلك تبعًا للدول المعنيّة، ولعمر العاطل عن العمل، ولإعتبارات أخرى متفرّقة.