لم يكن فايروس كورونا هو السبب الوحيد الذي هزّ الدول في العالم. كانت الحروب سبقته ووضعت القوى على حافة الهاوية الإقتصادية. تمّ الصرف المالي الضخم على نزاعات مفتوحة، لم تحقق لا غالباً ولا مغلوباً، لا في اليمن، رغم ثبات عناصره الداخلية بوجه التحالف العربي، ولا في ​سوريا​ التي صمدت فيها الدولة وإجتازت القطوع العسكري والمعيشي، ولا في العراق الذي تتنازع قواه السياسية فيما بينها حول طبيعة وتوازنات الحكومة ونوعية الأحلاف مع الخارج، ولا في أي دول عربية أخرى. وصل اللاعبون الى الإستحقاق: ماذا بعد؟ كيف تكون المخارج؟.

جاء كورونا ليكمل مشهد القلق: توقف العمل والإنتاج، فإزدادت البطالة، في ظلّ توجّه دول العالم الإنتاجيّة إلى توقيف صادراتها الغذائيّة، بدءاً من القمح والأرز مرورا بكل أنواع الحبوب واللحوم والأسماك والألبان والأجبان. فما هو البديل؟ ستزداد الأزمات المعيشية، وتتسع مساحات الفقر. فلم يعد اليمن ارضاً جاهزة للإنتاج الزراعي بالقدر الذي كان، بسبب الحرب التي قلّلت مساحات الاراضي الزراعيّة، وأبعدت اليد العاملة نحو العسكرة. وليس العراق جاهزا لإنتاج ما يكفيه ذاتيّا، بل هو مستورد لأغلب المواد الاستهلاكية، ولا ​الاردن​ قابل للحياة من دون معونات، ولا مصر قادرة على الإكتفاء من دون الإستيراد، بينما يبلغ حجم الصادرات اللبنانيّة ثلاثة مليارات دولار أمام إستيراد تبلغ قيمته عشرين مليار دولار. مما يعني ان تمدّد كورونا سيطيح بإقتصادات إقليمية، تُضاف أسباب معاناتها إلى وقائع سياسية صعبة: تخبّط سياسي في تركيا يُفرز أحزاب جديدة إنشق رُعاتها من تحت عباءة الرئيس التركي ​رجب طيب أردوغان​، إضافة إلى الإستقالات الوزاريّة التي هزّت الحكومة، كما فعل وزير الداخلية. عدا عن أن اليوميات التركية ترفع نسبة القلق جراء عدم الإكتراث بتمدّد كورونا، لأنّ حكومة انقره أبقت على المعامل والمصانع مفتوحة لإنتاج المواد الغذائية، للحد من الخسائر الإقتصاديّة، وتصدير منتوجات الى جيرانها، على حساب الحجر والعزل الكوروني.

ايضاً، تعاني إسرائيل من مشكلة سياسية عميقة افقدتها الروحيّة التي نشأت على أساسها، بحيث يبيّن غياب الرعيل الأول عن ​تل أبيب​ أن السياسيين الإسرائيليين غير قابلين للإنسجام في خلق صف داخلي موحّد. فلا الحروب التي كانت تشنّها تل أبيب ضد الفلسطينيين او اللبنانيين باتت تُجدي في الزمن الحالي لتوحيد جبهة إسرائيل الداخلية، ولا محاولات التسويات الداخلية والرعاية الأميركية تُنتج حلولاً سياسية، مما سينعكس سلباً على تل أبيب في الإقتصاد وبالتالي السياسة والعسكر، عدا عن توقف الموارد المالية جراء الدعم والسياحة، مما يضعها لأول مرة امام ركود إقتصادي غير مسبوق.

أمّا الأردن الذي يحاول أن ينجو من تداعيات كورونا، فيدور القلق بشأن الوضع الاقتصادي في المملكة الهاشمية، عدا عن أن إهتزاز دول إقليمية ينعكس سلباً على عمّان التي تصلها إعتادت على مساعدات دولية لن يكون واضحاً مدى بقائها. كان الأردن ينتظر انفتاحاً على سوريا، ونهاية لحروب المنطقة، لكن ما حمله كورونا معه من إقفال حدود وإجراءات أطاحت جميعها بالآمال الأردنية.

واذا كانت ​السعودية​ فرضت نفسها في سوق الكبار النفطي، لكن صراعها مع ​روسيا​ الإتحادية، اضافة الى وجود أميركيين متضررين من تصرفات المملكة، وضع ​الرياض​ في حلبة يتقاذف فيها الفيلة رسائل ثقيلة الأحجام. لم تعد الموارد المالية في السعودية هي ذاتها، ولا قدرة للمملكة على فرض برنامجها الاقتصادي "عشرين ثلاثين"، كما كان يتوقع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مما يؤكد وجود متغيّرات لن تصب في مساحة الرؤى السعودية.

فهل يحلّ الفقر والجوع في المنطقة؟

روسيا التي تصدر القمح بدأت بالحد من نسب التصدير الى دول العالم ومنها عواصم الإقليم. ​اوكرانيا​ و​بيلاروسيا​ منعا تصدير ​المنتجات الغذائية​ لثلاثة أشهر قابلة للتمديد. ​كازاخستان​ منعت تصدير ​الطحين​ الذي تعتمد على استيراده منها دول الاقليم بشكل أساسي. كذلك فعلت ​قرغيزستان​، و​الصين​، و​تايلاند​، بينما بدأت كل من ​الهند​ وفيتنام بتقليص تصدير الأرز تحضيراً لإتخاذ قرار وقف بيعه الى عواصم العالم. اما الدول الأوروبية فمضت في وضع خطة إبقاء الإنتاج الغذائي في حدود دول الإتحاد.

كل ذلك يعني أن دول الإقليم، ومن ضمنه المشرق و​المغرب العربي​، تمضي قدماً نحو أزمة غذاء، أي الجوع، لأسباب عدة: البطالة، لا يوجد سيولة مالية، لا وجود لإكتفاء غذائي ذاتي. الحل الوحيد هو الإستثمار في الأرض، والزراعة في كل المساحات. فمتى يقدم لبنان على ترجمة الأمر؟ الافضل الآن هو توسيع تجربة ناجحة كان أطلقها المدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني د. سامي علوية، فزرع كل الاراضي التي تملكها المصلحة المذكورة بالقمح. فلماذا لا تكلّف الحكومة اللبنانية علوية بتوسيع مشروعه ليطال كل الاراضي التي تملكها الدولة، طالما ثبّت نجاحه بإمتياز؟ عندها فقط يحصل الإكتفاء الذاتي في زراعة القمح، ويفوّت لبنان أزمة الرغيف المحتمل وصولنا إليها في حال إستمرت تداعيات كورونا.