أول من أمس، لم يتردد رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​، في مداخلة له في ​الجلسة التشريعية​ المسائية في ​قصر الأونيسكو​، في الإعلان عن أن المجلس لم يستطع القيام بدوره الرقابي بسبب النظام الطائفي القائم في ​لبنان​، نظراً إلى أن الأحزاب لم تحزّب ​الطوائف​ بل الطوائف طيفت الأحزاب.

في أي دولة برلمانية تحترم نفسها، لا يمكن أن يمرّ هذا الكلام مرور الكرام، لكن في لبنان الأمر مختلف، حيث لم يتوقف أحد أمام خطورة ما قاله رئيس المجلس النيابي، وكأن هناك تسليما بالأمر الواقع القائم في ظل الدعوات المستمرة إلى ​مكافحة الفساد​ ومحاسبة المرتكبين، ما يدفع إلى السؤال عن المستفيد من غياب عجز البرلمان عن ممارسة دوره الرقابي، وعن الجهات التي كان من المفترض بها العمل على إسقاط النظام الطائفي.

ل​مجلس النواب​ في لبنان، من الناحية الدستورية، وظيفتان أساسيتان: الأولى تشريعية والثانية رقابيّة، وبحسب رئيس المجلس النيابي، هو عاجز عن ممارسة الثانية، المرتبطة بالأولى بشكل وثيق، فما هي أهمية أن يقوم بتشريع القوانين التي يعجز عن مراقبة مدى التزام ​السلطة​ التنفيذيّة في تطبيقها، لمحاسبتها لاحقاً، وبالتالي بري اعترف، بشكل غير مباشر، بعجز السلطة التشريعيّة عن ممارسة أيّ دور عملي، ما كان يستدعي من المجلس المنعقد اعلان ​حالة الطوارئ​ لمعالجة هذه المشكلة، خصوصاً أن البلاد تشهد، منذ السابع عشر من تشرين الأول الماضي، ​احتجاجات​ شعبيّة عنوانها الأساسي المحاسبة ومكافحة الفساد.

اعتراف برّي، من المفترض أن ينسحب على كافة الأجهزة الرقابيّة في البلاد، لا سيّما الإداريّة منها، نظراً إلى أنّ عجز المجلس النيابي يعني عجزها جميعها عن القيام بالأدوار الملقاة على عاتقها، بدليل الخطوط الحمراء الطائفيّة التي كانت ترفع عند الدعوة إلى محاسبة أي مسؤول مهما كان حجمه، ليصبح من المنطقي القول أن ليس هناك من يُحاسَب في لبنان، طالما في الأساس ليس هناك من يُراقب ليحدّد من هو المرتكب أو المخالف، وعندها تصبح كل التشريعات والدعوات إلى الإصلاح ومكافحة الفساد دون أيّ جدوى، نظراً إلى أنها ستبقى شعارات غير قابلة للتطبيق، بدليل ما حصل مع قانون حقّ الوصول إلى المعلومات، المقر منذ العام 2017، حيث لا يزال خارج التطبيق الفعلي، نظراً إلى أن السلطة التنفيذيّة تتحجج بغياب المراسيم التطبيقيّة التي يقع على عاتقها وضعها، في حال كانت في الأصل ضرورية لوضعها.

أكثر ما يهم من نتائج كلام برّي هو المعادلة التالية: مكافحة الفساد في ظل النظام الطائفي هي كمّن يحاول "شطف" ​المياه​ خلال عاصفة ماطرة، لكن هل يكفي الاعتراف بالداء فقط أم أن المطلوب الذهاب إلى ​الدواء​ فوراً، خصوصاً أن التداعيات التي ترتبت على هذا الداء، الذي يمكن تصنيفه وباء، كارثيّة لا يمكن الاستمرار بها بعد اليوم، وطالما أن بري وضع كل المسؤولية على النظام الطائفي، يصبح من الضروري السؤال عن سبب استمراره.

في هذا الإطار، تتحدّث مقدمة ​الدستور اللبناني​ عن أن ​الغاء الطائفية​ السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على ​تحقيق​ه وفق خطة مرحليّة"، بينما تشير المادة 95 إلى أنه "على مجلس النواب المنتخب على أساس ​المناصفة​ بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق الغاء الطائفيّة السياسيّة وفق خطة مرحليّة وتشكيل هيئة وطنية برئاسة ​رئيس الجمهورية​، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس ​مجلس الوزراء​ شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية"، وتوضح أن "مهمّة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية"، وبالتالي الطريق واضح ويبدأ من مجلس النواب على الأقل لفتح هذا ​النقاش​ الجوهري بالدرجة الأولى، أما سبب عدم القيام بذلك فهو أن أغلب القوى السياسية النافذة هي المستفيدة من الواقع الطائفي القائم.

في المحصلة، مع إقرار بري بالحقيقة التي كان يعرفها الجميع، يصبح من الضروري تحديد الأولويات من قبل كل من ينشد الإصلاح في لبنان، خصوصاً أن المواطن هو المتضرر الأول من استمرار الواقع على ما هو عليه اليوم، بينما هو في المقابل يستعمل كأداة في الصراعات من قبل القوى السياسية المستفيدة منه، فهل يفتح النقاش بعد مرور ما يقارب 30 سنة على ​اتفاق الطائف​ أم يجب الانتظار 30 سنة أخرى؟.