يبدو أن لبنان يتجه، في الأيام المقبلة، إلى مواجهة سياسية قاسية بنكهة مالية وإقتصادية، عنوانها الأساسي حاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​، لا سيما بعد الرسالة العالية النبرة التي وجهها رئيس الحكومة ​حسان دياب​، من القصر الجمهوري في ​بعبدا​، بعد إنتهاء جلسة ​مجلس الوزراء​، خصوصاً أن الموضوع طرح في الجلسة من دون أن يتم التوصل إلى أي قرار جديد، باستثناء ما أعلن عن الموافقة على اقتراح وزارة المال قيامها باجراء عقود اتفاق رضائية مع كل من شركة KPMG وKroll وOliver Wyman، في اطار تنفيذ قرار مجلس الوزراء المتعلق بتكليف وزير المال غازي وزنة اتخاذ ما يلزم من اجراءات مع مصرف لبنان والجهات ذات الصلة بهدف القيام بعملية تدقيق محاسبية مركزة.

في هذا السياق، تؤكد مصادر وزارية، لـ"النشرة"، أن مسألة إقالة حاكم مصرف لبنان طرحت في جلسة الحكومة، مشيرة إلى أنه عند طرح مسألة التريث من عدمه في البت بالموضوع، فإن وزيري "حركة أمل" غازي وزني و​عباس مرتضى​ فضلا التريث، في حين أشارت مصادر وزارية أخرى، عبر "النشرة"، إلى أن هذه المسألة لا تعالج بهذه الطريقة، لأن أي قرار حول هذا الموضوع يبحث في السياسة أولاً، وبالنظر إلى تداعياته سياسياً.

وفي حين أن ما حصل في جلسة مجلس الوزراء كان محل أخذ ورد بين بعض الأفرقاء، تكشف مصادر معنية، عبر "النشرة"، أن بعض الوزراء هم من طرح مسألة أخذ إجراءات بحق سلامة، عندما كان يتحدث رئيس الجمهورية عن قانون النقد والتسليف، حيث أشار إلى أن القانون ينص على المحافظة على سلامة النقد والإقتصاد، سائلاً: "أين نحن اليوم من ذلك في ظل وضع الليرة والإقتصاد"؟، وتشير إلى أن ​وزير المالية​ أوضح أن مثل هذا الموضوع يجب أن يدرس مع التداعيات.

وتوضح المصادر نفسها أنه عند هذه النقطة أوضح دياب أن الموضوح ليس مدرجاً على جدول أعمال الجلسة، لكن النقاش أعطى فكرة، سائلاً من مع أخذ إجراءات بحق سلامة، حيث تم رفض الأمر من قبل وزيري "أمل" بينما هناك وزراء أيدوا ذلك وآخرين لم يقدموا موقفاً واضحاً، ما دفع رئيس الحكومة إلى التأكيد بأن المسألة تحتاج إلى متابعة وإستمزاج آراء أكثر.

من ناحية أخرى، سألت مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، عما إذا كان قرار إقالة سلامة في متناول اليد، لا سيما أن المسألة تحتاج إلى قرار سياسي كبير في ظل المرحلة الخطيرة التي تمر بها البلاد، بالرغم من أن رئيس الحكومة يشعر بأن حاكم مصرف لبنان غير متعاون معه، بدليل السقف العالي الذي تحدث به في كلمته بعد إنتهاء جلسة مجلس الوزراء.

وتشير المصادر نفسها إلى أن السؤال الأساسي الذي من المفترض أن يطرح نفسه يتعلق بالبديل، في حال التوافق على الإقالة، وما هي التداعيات التي قد تترتب على ذلك، لا سيما أن هناك جواً سياسياً معارضاً لمثل هذا التوجه، خصوصاً من قبل القوى السياسية الموجودة خارج الحكومة، وتضيف: "الموضوع ليس مزحة وهناك مخاطر كبيرة يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار"، الأمر الذي يتناغم مع ما طرحه رئيس تيار "المردة " النائب السابق ​سليمان فرنجية​، لناحية تأكيده أنه اذا كان المطلوب تغيير سلامة يجب أن يحظى البديل برضى وطني وبالخبرة، معتبراً أن الوزير السابق منصور بطيش، الذي ينقل أنه مرشح "​التيار الوطني الحر​"، لا تنطبق عليه هذه المواصفات، مع العلم أن التيار يؤكد أن بطيش غير مرشح لهذا المركز.

على الجهة المقابلة، ترى مصادر نيابية، عبر "النشرة"، أن هذا الموضوع سيقود إلى مواجهة سياسية كبرى، سواء داخل الحكومة أو خارجها، خصوصاً أن مثل هكذا قرار يبدو أبعد من الساحة اللبنانية، نظراً إلى الموقف الأميركي المتشدّد في هذه المسألة، وبالتالي لا يمكن توقع صمت قوى المعارضة عن مثل هذه الخطوة، بدليل الموقف المتشدد الصادر عن رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، في حين أن مواقف كل من حزب "القوات اللبنانية" و"​الحزب التقدمي الإشتراكي​" ليست بعيدة عن هذا التوجه.

من وجهة نظر هذه المصادر، الموضوع أبعد من ​سعر الدولار​ الأميركي مقابل ​الليرة اللبنانية​، بدليل الإتهامات التي وجهت إلى "​حزب الله​" بالوقوف وراء الحملة على حاكم مصرف لبنان، الأمر الذي ينبغي التوقف عنده، وترى أن الموضوع مرتبط بشكل أساسي بالكباش مع الولايات المتحدة الأميركية، لكنها تسأل عما إذا كان هذا الأمر سيقود إلى مواجهة مفتوحة أم أن رفع السقف من قبل جميع الأفرقاء يراد منه الوصول إلى تسوية، إلا أنها تجزم بأن الأيام المقبلة ستحمل معها المزيد من التصعيد الذي قد يأخذ أشكالاً متعددة، سواء في الشارع أو في السياسة أو في أمور أخرى.

وتلفت المصادر نفسها إلى أن الفريق المعارض في البلاد، لا سيما "​المستقبل​" و"الإشتراكي"، يعتبر أن ما يحصل مع سلامة قد يكون مقدمة إلى تطويق فريقهما في الإدارات والمؤسسات العامة، بشكل أو بآخر، أو الذهاب في مواجهة أوسع معهما، بينما داخل الحكومة من يعتبر أن "التيار الوطني الحر" يريد الإستفادة من هكذا توجه لتعزيز نفوذه، الأمر الذي لا يمكن القبول به.