يحتدم الصراع بين حكومة الرئيس حسان دياب من جهة، والطبقة السياسية الفاسدة التي تشن اليوم هجوماً مضاداً ضدّ الحكومة، لمنع محاربة الفساد، وإحداث اي تغيير في النهج الاقتصادي والمالي النيوليبرالي الريعي الذي أغرق لبنان بالديون والفوائد والعجز والعوز والفقر.. وأشاع الفساد ومكن الفاسدين من نهب المال العام عبر تشريع عقد التلزيمات بالتراضي وإلغاء دور أجهزة الرقابة والمحاسبة، وتخريب المؤسسات العامة الخدماتية وعرقلة إصلاحها للنهوض بدورها، بهدف تبرير خصخصتها وحرمان الدولة من مواردها، وهذا ما حصل في مؤسسة كهرباء لبنان ما أدّى إلى وقوعها في العجز والديون التي تستنزف خزينة الدولة… وهذا ما حصل أيضاً في موضوع النفايات التي تحوّلت إلى تجارة مربحة على حساب صحة المواطنين، ولهذا جرى عن عمد منع اي حلول جذرية لأزمة النفايات، كما هو حاصل في العديد من دول العالم التي حوّلت النفايات إلى مصدر لإنتاج الطاقة والأسمدة…

أولاً، من الواضح أنّ الطبقة السياسية الفاسدة، قد استنفرت كلّ قواها وأدواتها المالية والحزبية والإعلامية والطائفية، لإحباط خطة الحكومة الإنقاذية الإصلاحية على المستويين المالي والاقتصادي، وقرّرت تحريك الشارع تحت عنوان انّ الحكومة فشلت في تحقيق حلول للأزمات الاقتصادية والنقدية والاجتماعية… وانها تنفذ سياسة انتقامية.. والغاية طبعاً باتت واضحة وهي العمل على إسقاط الحكومة، وعودة أطراف الطبقة السياسية، التي خرجت من السلطة، بعد تشكيل حكومة دياب، الى السلطة وبالتالي الاطاحة بأيّ أمل ينشده اللبنانيون لتغيير واقعهم السيّئ، وبناء دولة المؤسسات التي تعيد إحياء عمل أجهزة الرقابة والمحاسبة والمساءلة، ومحاربة الفساد…

ثانياً، مسارعة الطبقة السياسية الفاسدة إلى شنّ هذا الهجوم المضادّ، إنما يعود لأنّ الحكومة قرّرت اتخاذ إجراءات عملية للتدقيق بالحسابات في مصرف لبنان، وكذلك التدقيق الضريبي، وفي العقود التي تمّت مع الدولة، والتدقيق في التحويلات إلى الخارج التي حصلت عشية انفجار الأزمة وخلالها لمعرفة أيّ من هذه التحويلات يندرج في إطار تهريب الأموال للخارج، وبالتالي العمل على استردادها، وهو ما اعتبرته الطبقة السياسية والمالية خطراً داهماً عليها يهدّد مصالحها، وبكشف دورها في الفساد المالي والسياسي…

ثالثاً، تعمل الطبقة السياسية الفاسدة، لعرقلة خطة الحكومة ومنع محاربة الفساد، تعمل على استخدام سلاح الشحن المذهبي، والتواطؤ مع بعض المضاربين لرفع سعر الدولار، بهدف زيادة حدة الأزمة المعيشية وتحميل الحكومة المسؤولية عن ذلك، وبالتالي دفع الناس إلى التحرك ضدّ الحكومة بغية إرباكها وجعلها تتراجع عن محاربة الفساد، وصولاً إلى إسقاطها.. وفي هذا السياق يمكن إدراج عودة بعض المجموعات المنظمة إلى قطع الطرقات وحرق الإطارات، واللجوء إلى أعمال الشغب والعنف والاعتداء على الجيش والأملاك العامة والخاصة في طرابلس، في مؤشر على وجود خطة لإثارة الفوضى في البلاد لإرهاب وإشغال الحكومة بعيداً عن أولوية التصدي للأزمة المالية والاقتصادية وملاحقة مهرّبي الأموال للخارج والمتلاعبين بسعر صرف الدولار، والبدء بورشة مكافحة الفساد لاستعادة أموال وحقوق الدولة المنهوبة او تلك المهربة للخارج…

رابعا، يبدو من المواقف الحازمة والشجاعة والجريئة التي يتخذها الرئيس حسان دياب في مواجهة هجمات رموز الطبقة السياسية عليه، وقرارات وإجراءات الحكومة في السير في خطتها لمحاربة الفساد واسترداد المال العام المنهوب، يبدو انّ هناك تصميماً من الحكومة على السير في خطتها الإنقاذية الإصلاحية بلا تردّد، وهي تستعدّ للإعلان عنها اليوم، بعد ان شرعت في اتخاذ خطوات مهمة مثل، استعادة قطاع الاتصالات من إدارة الشركات الخاصة، وإقرار أربعة تدابير آنية وفورية لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المتأتية عنه، وهي: تفعيل التدقيق الضريبي، التحقيق المحاسبي، تطبيق المادة الخامسة من قانون السرية المصرفية والرقابة المؤخرة لديوان المحاسبة. أيّ انها تعمد إلى تطبيق القوانين وتفعيل دور اجهزة الرقابة والمحاسبة التي جرى تهميشها عن عمد من قبل الطبقة السياسية والمالية التي سيطرت على مفاصل القرار في الدولة لمدة اكثر من عقدين..

خامسا، ان ما تقدم يعني ان لبنان دخل فعليا في معركة، ستزداد أوارها في الأيام المقبلة، في ظل هذا التصميم من الحكومة على خوض معركة انقاذ البلاد من أزمتها المالية والاقتصادية، والمباشرة عمليا بمحاربة الفساد من ناحية، وفي ظلّ قرار القوى السياسية المتضررة من اجراءات الحكومة، شن هجومها المضاد من ناحية ثانية، لحماية مصالحها الخاصة ومرتكزات نفوذها في الدولة، ولمنع الحكومة من النجاح في مهمتها الاصلاحية، لأنّ نجاحها سوف يعني إضعاف نفوذ هذه القوى السياسية في مؤسسات الدولة، وفي المجتمع، وبالتالي تعزيز شعبية الحكومة وتثبيت بقائها لفترة طويلة، ما يعني نشوء وترسيخ واقع جديد، سياسي واقتصادي واجتماعي…

سادساً، انطلاقا مما تقدّم، فإنّ كلّ من هو معني، بنجاح الحكومة في مهمة إنقاذ البلاد من الأزمات التي تعاني منها، ولا يريد عودة الطبقة السياسية والمالية الفاسدة، التي أقصيت عن السلطة التنفيذية، الى الحكم مجدّداً، عليه أن لا يقف على الحياد صامتاً متفرّجاً في هذه المعركة الدائرة اليوم، وإنما علية ان ينخرط فيها إلى جانب الحكومة اولا، وتمكينها من النجاح في مهمتها ثانيا.. فليس هناك من خيار.. فالوقوف على الحياد في هذه المعركة إنما يصب في مصلحة الطبقة السياسية الفاسدة الساعية إلى النيل من الحكومة واسقاطها.. فيما الوقوف إلى جانب الحكومة يعزز فرصة محاربة الفساد، وانقاذ البلاد من السياسات النيوليبرالية الريعية المدمرة للاقتصاد الإنتاجي، والمفقرة للشعب.. أما اضاعة هذه الفرصة، فانه يمكن الطبقة السياسية الفاسدة من إسقاط الحكومة والعودة إلى الحكم من جديد.. وعندما نتحدث عن فرصة إنقاذ، فإننا لا نتحدث هنا عن تغيير جذري وشيك في النظام الطائفي اللبناني، إنما عن تطبيق القوانين واعادة النظر بالسياسات الريعية لصالح اعتماد سياسات تدعم الانتاج الوطني، لزيادة معدلات النمو، والصادرات اللبنانية، وخلق فرص العمل للعاطلين.. وفي حال تحقق ذلك فإنه يوفر شروطا مواتية لتطبيق الإصلاحات التي نص عليها اتفاق الطائف لناحية الغاء الطائفية السياسية وتطبيق المادة 22 من الدستور القاضية باجراء الانتخابات النيابية على أساس نظام المجلسين، مجلس نواب ينتخب على أساس وطني وخارج القيد الطائفي، ومجلس للشيوخ ينتخب على أساس طائفي…

من هنا فإنّ كلّ من يعتبر نفسه معنيا بالإنقاذ ومحاربة الفساد ومنع الطبقة الفاسدة من النجاح في تنفيذ انقلابها ضد حكومة دياب، عليه الانخراط في هذه المعركة بدعم الحكومة في خطواتها الإنقاذية والإصلاحية، وانتقادها انتقادا بناء عندما تتلكأ او تتردد في الاقدام على دعم الانتاج ومحاربة الفساد والانفتاح على سورية في سياق خطة للتوجه شرقا لدعم تصريف المنتجات اللبنانية، والنهوض بالاقتصاد وردم الهوة بين الواردات والصادرات، وحل مشكلة العجز في الميزان التجاري بما يحقق التوازن فيه…