تفقد ​مدينة صيدا​ طقوسها وعاداتها وتقاليدها في ​شهر رمضان​ المبارك بسبب فيروس "كورونا"، يحل الشهر الفضيل حزينا على أبنائها الذين يعيشون كابوس الغلاء و​ارتفاع الاسعار​ والدولار ويكافحون من اجل تأمين قوت اليوم، بعدما أفقدهم "الحجر المنزلي" والتزام "التعبئة العامة" و"حال الطوارىء الصحية"، مصادر رزقهم، فباتوا عاطلين عن العمل جراء ارتدادات سلبية سابقة، بدأت العام الماضي بالانهيار المالي والازمة ​الاقتصاد​ية مرورا بإندلاع "​الحراك الشعبي​" وصولا الى "كورونا".

وصيدا التي اكتسبت بجدارة لقب "مدينة رمضانية بامتياز"، غابت الزينة قسرا عن شوارعها الرئيسية والاحياء الشعبية وداخل حاراتها وازقتها القديمة، بعدما اقفلت المساجد أبوابها وعلقت الصلوات (الجمعة والجماعية)، وأضيف اليها صلوات التروايح وقيام الليل، في ظاهرة غير مألوفة، بينما كان الصيداويون في الاعوام السابقة يتحضرون لاستقبال شهر رمضان منذ منتصف شعبان، يشترون الحلوى ويزورون الاهل والاقارب ويقصدون المحال لشراء الزينة الرمضانية، هذا العام استنكفوا عن ذلك، فالاوضاع المالية خانقة و"قلة المصاري" جعلتهم يبحثون عن كيفية تأمين الطعام والشراب في ظل التزام الحجر المنزلي والغلاء وارتفاع الاسعار".

نمط جديد

داخل المدينة القديمة، يبدو الفرق واضحا في استقبال الشهر الفضيل، وأبرز معالمه غياب الزينة، اقفال المقاهي الشعبية التي كانت تكتظ بالرواد عقب افطار كل يوم، فيروس "كورونا" والفقر المدقع يفرضان نمطا جديدا على ابنائها لم يعتادوا عليه من قبل، ينغصان عليهم فرحهم، ويقول مختار "حي السبيل" نادر جميل البيلاني لـ"النشرة"، ان شهر رمضان هذا العام يأتي في ظل ظروف حزينة وخانقة، والسبب ليس فقط الخوف من تفشي فيروس "كورونا"، وانما الاوضاع الاقتصادية الصعبة، التي باتت تحاصر الناس وتخنقهم في لقمة عيشهم دون سواها"، قبل ان يضيف "عادة تكون صيدا القديمة خلال شهر رمضان محط أنظار الجميع، جراء الاجواء المميزة خلافا لكل المدن الاخرى، وتستقطب زوارا من كل المناطق ومن مختلف الاديان ليشهدوا الاجواء المميزة... والتي تبدأ من اذان المغرب ثم صلاة التراويح بعد العشاء، وحلقات الذكر وتستمر الاجواء حتى الصباح، تفتح كل المعالم الاثرية والسياحية ابوابها للجميع دون استثناء، بالاضافة الى المقاهي والدكاكين التي تقدم أشهى السحور والعصائر والحلويات والمشروبات الرماضانية. ولكن هذا العام اختلف الموضوع جدا، داهمتنا "الكورونا" وبدلت الاجواء، صيدا القديمة اليوم كئيبة بسبب اقفال مساجدها التي كانت تعج بالمصلين طيلة الشهر الفضيل ومشتاقة لزوارها من خارجها وبمختلف اعمارهم. وتبع كل ذلك الغلاء الفاحش الذي حاصر سكانها وحول حياتهم الى أزمة مستفحلة... صار الجميع عاطلا عن العمل وتحت رحمة الدولار وبانتظار بعض المساعدات من هنا وهناك، صيدا اليوم شوارعها خالية الا من سكانها، تفتقد اجواء الفرح التي اعتادت عليها.

في الحارات، تستمر دورة الحياة متثاقلة، قرّر الناس الاستغناء عن "الضروريات" وترتيبها وفق الاولويات بعدم نسوا سابقا "الكماليات"، البعض تخلى عن "صحن الفتوش" اليومي الذي يعتبر من الاطباق الرئيسية والبعض الآخر عن الحلوى، وحده المسحرّاتي عباس قطيش الذي ارتبط اسمه وحضوره بشهر رمضان، بعد رحيل عميد المسحراتيّة محمد فناس، خرق المشهد وحافظ على حضوره وواصل جولات التسحير بين الحارات والاحياء، صادحا بصوته القوي، داعيا الناس الى الصيام نهارا والقيام ليلا ولكن هذه المرة في البيوت".

غلاء وشكاوي

خارج اسوار المدينة، لم يكن الحال أفضل، فقد عكست الشكاوى من الغلاء مدى الضائقة التي يئن تحت وطأتها الناس، ويقول علي نجم "ان الاوضاع مأساوية، والمدينة حزينة، الحمد لله نجونا من "كورونا" الفيروس، ولكننا وقعنا تحت عبء "كورونا" الاقتصاد والضائقة المعيشية والفقر و"التعتير"، الناس في حالة غضب عارم، جراء ارتفاع الدولار والاسعار والغلاء، لم يعد للفقير مكانا للعيش امام جشع التجار في مختلف وجوه الحياة".

كما عكست النداءات المتتالية لفاعليات المدينة وجمعياتها الخيرية للتبرع وبسخاء في شهر الرحمة، مدى استفحال الازمة الاقتصادية، فالجمعيات التي اعتادت ان تساعد الفقراء والعائلات المتعففة في هذه المناسبة، سواء باقامة افطارات يومية، او وجبات يومية ساخنة، او توزيع حصص تموينية وغذائية، تقف عاجزة عن فعل الكثير، وسط حرصها على استمرار التكافل الاجتماعي والتكاتف لتمرير المرحلة بأقل الخسائر الممكنة".

وقد عبر مفتي صيدا وأقضيتها ​الشيخ سليم سوسان​، عن ذلك بالقول ان الجوع والفقر يدقان الأبواب، داعياً الميسورين الى مدّ يد العون ومساعدة العائلات الفقيرة، وقال في "رسالة رمضان": "نعيش في ظروف صعبة وفيها معاناة، من فقر وجوع وعوز وحاجة ومرض. والصيداوي لا يشحذ، ويخجل ان يطلب. فلتبحثوا عن هؤلاء ولتعطوا هؤلاء، الذين أُرغموا على ترك اعمالهم واشغالهم ووظائفهم واصبحوا في بيوتهم لا يعرفون ماذا يفعلون وكيف يطعمون ابناءهم وزوجاتهم واطلب من اهلي واخواني الميسورين الأغنياء، ألاّ يبخلوا في رمضان.