بعد إعلان أغلب ​الكتل النيابية​ المعارضة موقفها من المشاركة في اجتماع ​بعبدا​ التشاوري، باتت كتلة "المستقبل" هي الوحيدة من بين الكتل الأساسية التي اختارت قرار المقاطعة بشكل كامل، في حين ذهبت كتل أخرى إلى خفض مستوى تمثيلها، لكن المفارقة تكمن بأن هذه الكتل من المفترض أن تكون في موقع الحليف لـ"المستقبل"، وبالتالي لم يكن ممكنا تصور موقف متناقض بين الجانبين.

في الفترة الماضية، كان البحث الأساسي بين "​تيار المستقبل​" و"​الحزب التقدمي الاشتراكي​" وحزب "القوات اللبنانية"، إلا أن أياً من الأفرقاء الثلاثة لم يكن متحمساً لهذا الخيار، نظراً إلى التجارب المريرة على هذا الصعيد، خصوصاً على مستوى العلاقة الثنائية مع "المستقبل"، فالتيار، طوال فترة تحالفه مع "​التيار الوطني الحر​"، لم يكن مهتماً بالمواجهات التي يخوضها "القوات" و"الاشتراكي"، إلا أن المستغرب أكثر هو موقف رئيس الحكومة السابق ​نجيب ميقاتي​، الذي كان يزايد على "المستقبل" في موضوع صلاحيات ​رئاسة الحكومة​، إلا أنّه في نهاية المطاف قرّر المشاركة عبر النائب ​نقولا نحاس​.

من هذا المنطلق، تشير مصادر سيّاسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن المواقف المتناقضة من لقاء الأربعاء التشاوري بين الكتل النيابية المعارضة، تؤكّد بما لا يقبل الشك صعوبة تشكيل جبهة موحّدة تضمّها، نظراً إلى أنها تختلف في التوجهات الأساسية أو في المدى الذي من الممكن أن تذهب إليه المواجهة، بالتزامن مع عدم توافقها على أيّ برنامج موحّد من الممكن أن تعرضه أمام الرأي العام، إلا أن الأساس يبقى غياب الثّقة بين أركانها، حيث أنّ كل فريق يخشى من إقدام الآخر على الذهاب إلى تسوية بصورة منفردة.

هذا الواقع، بحسب ما تؤكّد المصادر نفسها، يعود إلى التراكمات في العلاقة بين الأفرقاء الثلاثة، "المستقبل" و"الاشتراكي" و"القوات"، والتي يتحمّل التيار جزءاً كبيراً من المسؤولية عنها، بعد أن كان ذهب بعيداً في تحالفه مع "الوطني الحر"، منذ إبرام التسوية بين الجانبين حتى سقوطها إثر التحركات الشعبية التي انطلقت في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، وبالتالي لا يمكن له أن يطلب منهما الوقوف إلى جانبه اليوم.

وتشير هذه المصادر إلى أنّ "الاشتراكي" لم يكن في الأصل موافقاً على التسوية الرئاسيّة، ولاحقاً خاض العديد من المعارك مع "الوطني الحر"، بينما "القوات"، الذي كان داعماً أساسياً لترشيح العماد ​ميشال عون​ ل​رئاسة الجمهورية​، شعر في أكثر من مناسبة، خلال الحكومة السابقة، أنّ "المستقبل" يقف إلى جانب "الوطني الحر" بشكل أساسي، بدليل عرض الحقائب التي قدمت إليه قبل تشكيلها ضمن معادلة: "خذها أو خلّيك خارج الحكومة"، والأمر نفسه ينطبق على العلاقة الثنائية بين "القوات" و"الاشتراكي" أيضاً.

من وجهة نظر المصادر السياسية المطلعة، كان "المستقبل" يراهن على التحاق بعض الكتل بموقفه المقاطع للقاء بعبدا التشاوري، حيث كان يظن أنه بمجرد الإعلان سيفتح الباب أمام الكتل الأخرى، لا سيما "الاشتراكي"، لتبنّي وجهة نظره، على أمل أن يقود ذلك إلى توجيه رسالة سياسية إلى رئاسة الجمهوريّة، لكن لدى كل من "القوات" و"الاشتراكي" حسابات أخرى، فالأول رغم العلاقة المقطوعة مع العهد و"التيار الوطني الحر" ليس في وارد الظهور في موقف الساعي إلى إضعاف رئاسة الجمهورية، بينما لدى الثاني مجموعة واسعة من المعطيات التي يأخذها بعين الاعتبار قبل حسم موقفه، أبرزها التحالف مع رئيس ​المجلس النيابي​ ​نبيه بري​.

في المحصّلة، تعتبر هذه المصادر أنّ "المستقبل" أخطأ في الرهان الذي أخذه، وبالتالي كان من الأفضل له انتظار ما قد يرشح من معطيات حول موقف باقي الكتل النيابيّة قبل أن يحسم توجهه بشكل كامل، وتستغرب إصراره على الذهاب بعيداً في المواجهة مع رئاسة الجمهورية، بينما هو قادر على حصرها بـ"التيار الوطني الحر"، لكنها في المقابل ترى أن موقفه قد يكون مفيداً له على المستوى الشعبي، خصوصاً في ظلّ المواجهة التي يخوضها على أكثر من جبهة.