تقدّم إلى واجهة الاهتمامات والأحداث، موضوع إقامة العلاقات بين كيان العدو الصهيوني، وبعض الأنظمة العربية الخاضعة للهيمنة الاستعمارية الأميركية الغربية، وهو ما عكسه النجاح الأميركي «الإسرائيلي» في إحداث اختراق جديد على هذا الصعيد تمثل في انضمام النظام السوداني إلى صفّ الأنظمة العربية، التي انفتحت على كيان العدو، وفي عرض مسلسل خليجي في رمضان يعمل على تزييف حقيقة الصراع مع هذا العدو…

والاسئلة التي تطرح في هذا السياق هي…

لماذا لا تغيب أولوية العمل، أميركياً و»إسرائيلياً»، على ممارسة شتى الضغوط لتسريع إقامة المزيد من العلاقات العلنية بين الأنظمة العربية وكيان العدو، والدفع بانضمام أنظمة جديدة لسلوك هذا الطريق، على الرغم من انّ ذلك لا يحظى بتأييد الجمهور العربي؟

ولماذا من الضروري عدم استخدام كلمة تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني؟

وبالتالي ما هو المطلوب في مواجهة استسلام بعض الأنظمة العربية للإرادة الأميركية الصهيونية في إقامة العلاقات مع كيان غاصب يحتلّ أرض فلسطين ويواصل العدوان على أرضها وشعبها والمقدسات… ويعمل على استيطانها وتهويدها؟

اولا، إنّ تركيز الإدارتين، الأميركية والصهيونية، العمل باستمرار وفي كلّ الأوقات على الدفع لإقامة المزيد من العلاقات بين الدول العربية وكيان العدو الصهيوني، لا سيما في ظلّ أولوية الانشغال في مواجهة حرب فايروس كورونا، والتداعيات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي تسبّب بها، إنما يعود إلى الأسباب التالية…

السبب الأول، منذ نشأة كيان العدو الصهيوني الاستعماري الاستيطاني العنصري عام ١٩٤٨ على أرض فلسطين العربية كقاعدة غربية استعمارية متقدّمة في قلب العالم العربي، والقادة الصهاينة، بالتعاون مع الدول الغربية، يعملون على تشريع وجود الكيان الصهيوني، في سياق المخطط الغربي الهادف إلى تصفية قضية فلسطين وإلغاء عروبة وهوية الأمة، وإقامة «الشرق الأوسط الجديد»…

السبب الثاني، تحقيق الاستقلال الاقتصادي للكيان الصهيوني، بتحوّله إلى مركز وقلب المنطقة الاقتصادي، بحيث يصبح المحطة لتصدير البضائع والنفط والغاز إلى الغرب ودول العالم الأخرى.. وهذا يؤدّي إلى تحرّر الكيان من الاعتماد على الدعم الغربي، الذي يمكنه منذ سطو الصهاينة على أرض فلسطين، من العيش والاستمرار، ولذلك كان وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كسينجر يعتبر «إسرائيل كالمريض الذي يحتاج بصورة دائمة إلى المصل.. وما لم يتمّ تشريع وجودها عبر انفتاحها على دول المنطقة، وإقامة العلاقات بينها وبين الدول العربية، من الصعب أن تبقى من دون استمرار الدعم الغربي لها..

وفي هذا السياق جاء توقيع اتفاقيات المساومة والتفريط بالحقوق القومية، في كامب ديفيد، ووادي عربة، وأوسلو، والتي شكلت رأس جسر لإقامة العلاقات مع كيان العدو، من قبل بعض الأنظمة العربية الرجعية التابعة للدول الرأسمالية الغربية.. وفي السياق نفسه تندرج محاولة اختراع رواية مزيّفة لتضليل الرأي العام العربي والعالمي حول حقيقية أصل الصراع مع العدو الصهيوني، من خلال مسلسلات وبرامج ولقاءات تلفزيونية ومؤتمرات دولية وزيارات لمسؤولين صهاينة إلى بعض العواصم العربية…

ثانياً، من الخطأ استخدام كلمة تطبيع مع كيان العدو، لأنّ كلمة تطبيع لا يصحّ استخدامها إلا بين دول كانت قائمة، حصل بينها صراع وانقطاع في العلاقات، ومطلوب إعادة تطبيع العلاقات في ما بينها.. وهذا الأمر لا ينطبق على كيان العدو الصهيوني، لأنه لم يكن أصلاً موجوداً، حتى يجري تطبيع العلاقات معه.. فوجوده غير طبيعي لأنه قام على اقتلاع السكان الأصليين من أرضهم، عبر المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، وتشريد أبناء شعبنا من أرضهم في فلسطين، والإتيان بمستعمرين صهاينة ليستوطنوا مدنهم وبلداتهم وقراهم، لذلك فإنّ استخدام كلمة تطبيع تصبّ في خدمة عملية تزييف الوعي التي يعمل على الترويج لها الصهاينة ومراكز أبحاثهم ودراساتهم..

ثالثاً، انّ تكثيف اللقاءات بين مسؤولين عرب وصهاينة، واستقبال مسؤولين «إسرائيليين» في عواصم عربية ودفع النظام السوداني لإقامة علاقات مع كيان العدو، إنما يستهدف محاولة التعمية على الأزمة الوجودية التي يعاني منها المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة، نتيجة هزائمه أمام قوى المقاومة في لبنان وقطاع غزة، وتنامي قوة حلف المقاومة في عموم المنطقة على اثر الانتصارات التي حققها ويحققها، في سورية والعراق، ضدّ جيوش الإرهاب الأميركية الصهيونية، وفي مواجهة الحرب الأميركية السعودية على اليمن، وكذلك صموده في مواجهة الحرب الاقتصادية الأميركية الغربية.. ولهذا يحاول القادة الصهاينة وبدعم أميركي الظهور، من خلال عقد هذه اللقاءات وإقامة العلاقات مع أنظمة عربية ومسؤولين عرب، بمظهر من يحقق الإنجازات والانتصارات السياسية والدبلوماسية، للتعويض والتعمية على فشل الحروب الأميركية الصهيونية، المباشرة وغير المباشرة في القضاء على المقاومة الشعبية والمسلحة، والتي أدّت إلى تكريس معادلات الردع في مواجهة العدو الصهيوني، وأدخلته في أزمة عميقة اعادت طرح الأسئلة «إسرائيلياً» حول المستقبل والوجود..

رابعاً، إنّ الصراع مع الكيان الصهيوني الغاصب إنما هو صراع وجود وليس صراع حدود، فهو كيان استعماري استيطاني، ولن تنجح كلّ محاولات تشريع وجوده الغاصب للأرض والحقوق، طالما انّ هناك جبهة للمقاومة تتسع وتتجذر وتزداد قوة وقدرة، كماً ونوعاً، ويزداد معها المأزق الوجودي لكيان العدو.. ولهذا فإنّ إحباط مخططات العدو إنما يكون بالمزيد من دعم ومساندة منظومة جبهة المقاومة والالتفاف حولها، لا سيما وقد أثبتت التجربة أنّ المقاومة الشعبية والمسلحة وبدعم من حلف المقاومة في المنطقة، نجحت في تحرير الأرض في لبنان وقطاع غزة من المحتلّ الصهيوني بلا قيد ولا شرط، وإلحاق الهزيمة بجيش الاحتلال الذي كان يصوّر أنه قوة أسطورية لا تقهر.. من هنا فإنّ الخيار الأساسي لتحرير فلسطين كلّ فلسطين، إنما يكمن في سلوك خيار المقاومة الشعبية والمسلحة.. أما باقي أشكال النضال السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والثقافي، فإنها يجب أن تصبّ في صالح تعزيز خيار المقاومة المسلحة.. بذلك تتكامل كلّ أساليب النضال لتحقيق الأهداف الوطنية والقومية لتحرير الأرض المحتلة واستعادة الحقوق المسلوبة والتحرر من السيطرة الاستعمارية الغربية بكلّ أشكالها..

وبذلك ايضا يكون الردّ على التآمر والتخاذل من بعض الأنظمة العربية المستسلمة للإرادة الأميركية الصهيونية لإقامة علاقات مع كيان العدو الصهيوني الاستعماري الإرهابي العنصري.. على حساب الحق العربي في فلسطين العربية التي ستبقى عربية.. طالما بقيت هناك مقاومة ترفض الخنوع والاستسلام.. ومصمّمة على الاستمرار لتحرير الأرض المحتلة..