منذ ان ابصرت الحكومة ال​لبنان​ية الحاليّة النور، والجهد منصبّ بشكل كبير على مكافحة وباء ​كورونا​. والحمد لله، اثبتت الاجراءات المتخذة صوابيتها ونجاحها، بحيث تفادى لبنان مصيراً مشؤوماً ودخل نادي الدول الاقل تأثراً بمسارالوباء الصحي، فيما استفحلت آثار الالم الاقتصادي والمالي الذي يعاني منه بفضل الفيروس العالمي. وزير الداخلية ​محمد فهمي​، كان من المشاركين في الاجراءات الحكومية، واتجهت اليه الانظار بفعل تعاميمه ومذكراته التي نظّمت مفهوم التدابير المتخذة، ويمكن القول انه نجح في غالبية ما فعله، رغم وجود خروقات كبيرة قد يكون فضّل تحاشيها نظراً الى آثارها السياسية والمذهبية السلبية.

ولكن الوزير وقع بالامس في خطأ عند اصداره مذكرة الى المحافظين تقضي بـ"السماح باقامة صلاة يوم الجمعة في المساجد وقداس يوم الاحد في الكنائس على الا يتعدى عدد المصلين 30% من القدرة الاستيعابية لكل ​كنيسة​ ومسجد"، مع التشديد على التقيّد بالمسافات الآمنة والشروط الصحية اللازمة. في الشكل، كان الخطأ في مخالفة المرسوم رقم 6296/2020 (24/4/2020) الذي اقرّ ​مجلس الوزراء​ في جلسته الاخيرة تمديد العمل به وفق المراحل الزمنيّة التي يتضمّنها، والتي تقع دور العبادة في المرحلة الخامسة منها اي المرحلة الاخيرة. واذا كان رئيس الحكومة ​حسان دياب​ قد حذّر بنفسه من عدم التقيّد بقرارات الحكومة واجراءاتها، فهل يخالف ما جاء في المرسوم، وهل ينضم اليه وزير الداخلية في مخالفة قرار لمجلس الوزراء؟.

هذا من حيث الشكل، اما من حيث المضمون، فالخطأ اكبر بكثير. ان المسألة متعلقة بالصلوات، وهي مسألة حسّاسة لدى الجميع فالعقيدة كما هو معروف، تملك تأثيراً عظيماً على ​الانسان​، وتدفعه الى القيام بأمور خارجة عن المألوف، وبالتالي يجد الكثيرون صعوبة في تقبّل العديد من التعليمات من قبل السلطات الروحية التي يتبعونها، فكم بالحري ان تأتي الشروط من وزير في الحكومة؟ كيف سيتم تطبيق مضمون المذكّرة، فيما الكثير من القرارات والتعاميم والمذكّرات شهدت خرقاً مهماً، ويمكن مراجعة ​التظاهرات​ والتجمّعات ومخالفات ارقام السيارات المزدوجة والمفردة وغيرها من الامور للتثبت من هذا الامر... واذا كانت الصرخة تعلو والشكوى تتصاعد من قلّة عديد القوى الامنيّة، فكيف سيضمن الوزير فهمي تطبيق مضمون المذكرة ومنع 70% من المؤمنين من الدخول الى دور العبادة؟ أليس هناك من نقص فادح بالفعل في ضمان تطبيق مذكّرات فتح ​المطاعم​ والمحلاّت وشروطها؟ ألم تخرق مذكرة اغلاق الكنائس والمساجد في بعض المناطق؟ ألا تدرس الحكومة ويشتكي ​وزير الاقتصاد​ من قلّة المفتّشين لضبط الاسعار في المحال والمتاجر الغذائيّة الكبيرة؟ ألا يكفي ان ​البلديات​ مستنفرة لمساعدة ​الجيش اللبناني​ على توزيع المساعدات الاجتماعية واستقبال الطلبات وتلبية معاملات المواطنين؟.

واذا سلّمنا جدلاً ان هناك حلولاً سحرية وجدت لتوزيع عناصر من ​القوى الامنية​ او ​البلدية​ او غيرها على دور العبادة، كيف سيُمنع ايّ مؤمن من الدخول الى مركز لعبادة الله، خصوصاً اذا كان طفلاً او كاهلاً قطع مسافة من منزله لتأدية الواجب الديني؟ ألن تتطور الامور الى حدّ المواجهة على أقلّ تقدير؟ هل هناك من شكّ في انه اذا التزم المؤمنون بعدم الدخول، سيقفون خارج الكنيسة ويتجمّعون لمتابعة الصلوات؟ هل بات يجب على الكهنة والمشايخ استقبال طلبات المؤمنين للحضور وفق موعد مسبق والاعتذار من الآخرين؟!.

قد يكون وزير الداخلية ربما قد تعرّض لضغوط شعبيّة قبيل ​عيد الفطر​ السعيد، أدّت الى اصداره هذه المذكرة، وقد لا يكون هذا الامر صحيحاً، انّما في كل الاحوال لم يكن يجب التسرع في اتخاذ مثل هذا القرار، قبل التشاور مع السلطات المعنيّة والاتّفاق معها على مخرج مناسب يرضي الجميع، لانّه في حال ليس من الممكن تنفيذ مضمون المذكرة، فالاحراج سيصيب المرجعيّات الروحية بطبيعة الحال، وبعدها وزير الداخلية نفسه.

لا احد يدّعي العلم بالغيب، ولكن المنطق وطبيعة اللبنانيين يكفلان توقّع مسار الامور وردّ الفعل على مثل هذا القرار. وقع الوزير فهمي في الخطأ، فهل سيتمكن رجال الدين من اصلاح الامور؟.