منذ تاريخ الرابع عشر من شباط الماضي، ومشاهد الصدامات بين جمهور تيار "المستقبل" في ذكرى إغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، بدأت تلوح في الأفق معالم صراع وتنافس بين كل من رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ وشقيقه رجل الأعمال ​بهاء الدين الحريري​، وهو ما يتأكد يوماً بعد آخر من خلال رصد نبض جمهور التيار، الذي يعيش حالة ضياع بين الشقيقين.

هذا الصراع ليس وليد المرحلة الراهنة، رغم أن ظهور بهاء على الساحة جاء على خلفية التحركات الشعبيّة التي انطلقت في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، حيث أن مشوار المنافسة بينه وبين شقيقه يعود إلى ما قبل الإنتخابات النيابية الماضية، حين أجبر رئيس الحكومة السابق على تقديم إستقالته من العاصمة ​السعودية​ الرياض، حين واكبها ظهور سريع لرغبة بهاء في تسلم الزعامة العائليّة والحزبيّة. الا أن الظروف السياسية في ذلك الوقت حالت دون تحقيق رغباته، وأبرزها موقف العائلة التي رفضت "المبايعة"، بالإضافة إلى موقف العديد من الشخصيات السياسية التي كانت متحالفة مع سعد، خصوصاً النائب نهاد المشنوق ورئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة.

منذ ذلك الوقت، على ما يبدو، كان بهاء ينتظر الفرصة المناسبة للعودة لطرح مشروعه السياسي، الذي لا يمكن أن يأتي إلا على أنقاض مشروع شقيقه سعد، الذي كان يحظى بشبه إجماع من القوى السياسية الأساسية على دعمه، فهو كان على تفاهم مع "التيار الوطني الحر"، وتهدئة مع "حزب الله"، وتحالف مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" النائب السابق وليد جنبلاط، وفيما بعد نجح في إعادة إبرام تفاهمات مع الشخصيات الأساسية على الساحة السنية، أي ما يُعرف بنادي رؤساء الحكومة السابقين: فؤاد السنيورة، نجيب ميقاتي، تمام سلام.

اليوم، يدرك المطلعون على حركة بهاء "الثائر"، انه دائماً ما يتحيّن الفرصة، وهو اليوم يريد إستغلال حالة "الإرباك" التي يعيشها سعد، ف​التسوية الرئاسية​ مع "الوطني الحر" سقطت، بينما "حزب الله" و"حركة أمل" يدعمان الحكومة الحالية برئاسة ​حسان دياب​، كما لم تنجح كل الجهود، على الأقل حتى الآن، في تشكيل جبهة معارضة تضم، إلى جانب سعد، كل من حزب "القوات اللبنانية" والحزب "التقدمي الإشتراكي"، والدليل هو ما حصل عند دعوة رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ إلى إجتماع بعبدا، لمناقشة الخطة الإقتصادية التي أقرتها الحكومة، لكن كل هذا لا يلغي أن رئيس الحكومة السابق يدرك أن الخطر الأكبر الذي يواجهه، في سياق الصراع على الزعامة السنية، هو طموح شقيقه الأكبر، الذي ينافسه في الإرث العائلي أولاً، ويراهن على حالة الإمتعاض التي لدى القسم الأكبر من جمهور "المستقبل" من أداء التيار في السنوات الماضية. وبحسب ما سُرّب من معلومات أمنيّة، فإن هناك من كان يلمح إلى أن بعض الأحداث التي شهدتها ​مدينة طرابلس​، في الأيام الماضية، كان عنوانها هذا الصراع والتنافس بين الشقيقين.

في المقابل، ليس أمام سعد إلا السعي إلى دغدغة مشاعر جمهوره، عبر بعض المواقف التي يطلقها بين الحين والآخر، خصوصاً ضد رئيس الجمهورية ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، مع العلم أن سعد نفسه كان ينفي كل الإنتقادات التي توجه له عندما كان على تناغم مع باسيل قبل السابع عشر من تشرين الأول الماضي.

في المحصّلة، بات من المؤكد أن "صراع الشقيقين" سيحتدم في الأيام المقبلة، لا سيما أن الشقيق الأكبر يبدو ماضياً في مشروعه، الذي لا تبدو أغلب القوى الأساسية متحمسة له، لكن لم يبدِ أحد منها أي موقف علني من الممكن البناء عليه، في حين أن جمهور "المستقبل" سيكون الخاسر الأكبر، نظراً لحالة الضياع التي تربك صفوفه، فيما سيبدأ الإنقسام يتغلغل الى المناصرين والمحازبين.