ما يحدث في ​لبنان​ راهناً، تحديداً لجهتي، إستقرار الوضعيّن الأمني والسياسي بحدٍ مقبولٍ، بالإضافة الى بدء "معركة ​مكافحة الفساد​"، ليس منفصلاً عما يحدث في ​العراق​ وسورية، فالأول شهد في الأيام القليلة الفائتة توافقاً داخلياَ على تشكيل حكومة جديدة، برئاسة ​مصطفى الكاظمي​، ما يعكس بوضوحٍ توافق القوى الإقليمية والدولية المؤثرة في العراق، على تأليف هذه ​الحكومة​، ثم نيلها ثقة البرلمان، فقد لقيت ولادتها ترحيباً إيرانياً – أميركياً ، عبر عنه وزيرا خارجية البلدين. وهنا، يشير مصدر مطلع قريب من محور ​المقاومة​ إلى أن التجربة اللبنانية الحكومية، إستنسخت في العراق أيضاً، أي التوصل الى توافقٍ داخليٍ وخارجيٍ على قيام "حكومة مساكنة" بين القوى المذكورة آنفاً، كما هو الحال في لبنان على حد قوله.

أما في شأن الوضع في الجارة الأقرب، فتواصل ​السلطات السورية​ المعنية، خوض معركتها، التي بدأتها منذ أشهرٍ عدةٍ، في سبيل إستعادة ​المال​ المنهوب، ومكافحة الفساد، والتهرب الضريبي، ومختلف أشكال التهريب. وفي الضفة الثانية من الحدود، بدأت الجهات المعنية اللبنانية، تحذو حذو السلطات المذكورة، آخرها كان مطالبة القوى الراعية للحكومة حاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​، بكشف أسماء الذين هربوا أموالهم من لبنان الى الخارج، تمهيداً لتطبيق مبدأ "من أين لك هذا"، على الذين أثروا بطريقة غير مشروعة، ما يسهم بقوةٍ في حل أزمة النقص في القطع الأجنبي في ​الأسواق اللبنانية​، هذا في حال نجاح الجهات المذكورة في خوض حربها حتى النهاية، وإذا أتيح لها ذلك، بحسب رأي المصدر عينه.

ويوافق مرجع سياسي لبناني على الرأي المذكور آنفاً، ويؤكد أن الأوضاع السياسية والأمنية، آيلة الى التهدئة وخفض التصعيد، وهذا الأمر، ليس خافياً على أحد، بدليل ترك الثنائي ​سمير جعجع​ – ​وليد جنبلاط​ ل​سعد الحريري​ وحيداً، مع (حفظ الألقاب)، والمشاركة في اجتماع ​بعبدا​، المخصص لمناقشة الخطة الإقتصادية للحكومة، ما يؤشر الى قبولهما الخطة مبدئياً، ولو كان لديهما تحفظ على البنود، أو بعض التباينات في الرأي مع الحكومة حول ما ورد في الخطة، على حد تعبير المرجع. وما يرفع في منسوب الطمأنينية أيضاً، هو كلمة الأمين العام ل​حزب الله​ ​السيد حسن نصرالله​ الأخيرة، التي أكد فيها إرساء الأجواء التوافقية في البلد، كذلك موافقة حزب الله المبدئية على الإستدانة من ​صندوق النقد الدولي​، شرط عدم خضوع لبنان، لأي إملاءاتٍ خارجيةٍ، تمس بسيادته وحرية قراره، بحسب المرجع.

كذلك يرجّح المرجع، حدوث تحسن في الوضع الإقتصادي اللبناني، بعدما وصلت الأمور، الى حد ينذر، بوقع إنفجار إجتماعي، جراء الضائقة المعيشية، التي يرزح تحتها ​الشعب اللبناني​، والتي لم يشهد لبنان منذ أكثر من مئة عام، مستبعداً إنهيار ​الاقتصاد​ فيه بالكامل، مادامت الرعاية الدولية لمؤسسات ​الدولة​، لاتزال قائمة، خصوصا للحكومة و​الجيش​ و​المصرف المركزي​، بدليل التواصل الدبلوماسي للدول الكبرى مع حكومة الرئيس ​حسان دياب​، وهذا أمر إيجابي، ويسهم في ضمان عدم تفلّت مختلف الأوضاع: السياسية والأمنية والإقتصادية، ودائماً وفقاً لرأي المرجع .

وفي سياق متصل، لابد الى الإشارة الى الحالة الاجتماعية الرديئة في ​طرابلس​، وإستغلالها من بعض القوى المحلية والإقليمية، في محاولة لتثيبت حضورها في الواقع اللبناني، ولكن الأكثر خطورة في هذا الإستغلال، هو إستعادة الخطب التحريضية، وإثارة النعرات المذهبية، لتجييش الشارع، ودفعه الى الإعتداء على مؤسسات الدولة، وعناصر الجيش و​القوى الأمنية​، كما حدث في طرابلس في الآونة الأخيرة، أثر إستغلال الإحتجاجات على الأوضاع المعيشية، والأخطر من ذلك كله، عودة رفع شعارات تنظمي "داعش" و "​جبهة النصرة​" الإرهابيين في منطقة التبانة الأكثر فقراً في لبنان.

ولاريب أن التحريض على الحكومة، بأنها باتت في "قبضة حزب الله"، وأن أهل ​السنة​ يتعرضون لمظلمة بعد خروج الحريري من السرايا الكبيرة، أوجد الأرضية الملائمة لعودة شعارات التكفيريين الى مدينة "العلم والعلماء"، كما عرفت عبر التاريخ، ولكن ما يبعث على الطمأننية، وبقلل من فرضية تمدد التكفيريين في الفيحاء، هي الأجواء الإقليمية والدولية، والعلاقات الدبلوماسية مع الحكومة، المذكورة آنفاً.