على وقع التطورات الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تشهدها الساحة المحلية، عادت ​العلاقات اللبنانية السورية​ لتتصدر واجهة الأحداث، من بوابة الحدود المشتركة والمعابر غير الشرعية من جهة، ومن بوابة الدعوة إلى إعادة ترتيب العلاقات بين البلدين من جهة ثانية، على قاعدة أن دمشق هي معبر بيروت نحو الأسواق العربية.

انطلاقاً من ذلك، كان الحدث السوري طاغياً على خطاب أمين عام "​حزب الله​" ​السيد حسن نصر الله​، في ذكرى القيادي ​مصطفى بدر الدين​، الأمر الذي لا يمكن أن يوضع في سياق الذكرى فقط، بل أيضاً في إطار التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة هناك، حيث تعمد السيد نصر الله إعادة نفي الشائعات التي تتحدث عن صراع على النفوذ بين الجانبين الروسي والإيراني، على قاعدة أن ما كانت تطمح إليه ​طهران​ تحقق بانتصار دمشق العسكري، أي منع سقوط ​سوريا​ في "جبهة الاستكبار"، مع العلم أن تلك الشائعات لا تنفصل عن بعض التقارير الصحافية التي كانت، طوال الفترة الماضية، تتحدث عن قرب التوصل إلى صفقة بين ​واشنطن​ و​موسكو​.

بالتزامن، كان من الضروري أن يرسل أمين عام "حزب الله" تحذيراً إلى الجانب الإسرائيلي، بشكل غير مباشر، عبر الإشارة إلى أن الاعتداءات التي تقوم بها ​تل أبيب​ قد تقود، في أي لحظة، إلى خطأ تندم عليه، بعد أن أشار إلى أنها مرعوبة من التطورات على الساحة السورية، موضحاً حقيقة تراجع أعداد القوى الحليفة لدمشق، الذي تسعى تل أبيب إلى وضعه في سياق الإنجاز الإسرائيلي، مؤكداً أنه يأتي في إطار الانتصار السوري.

الرسالة الأهم في الخطاب، من وجهة نظر مصادر سياسية متابعة، كانت محاولة الربط بين تساهل "حزب الله" في الموقف من ​صندوق النقد​ الدولي، والدعوة إلى إعادة ترتيب العلاقات اللبنانية مع سوريا، الأمر الذي سيكون محل أخذ ورد في المقبل من الأيام، نظراً إلى الانقسام الداخلي المعروف من هذا الملف، والمرتبط بشكل وثيق بالدعوات المحلية والخارجية إلى ضبط الحدود بين البلدين، لا سيما المعابر غير الشرعية، فالحزب يرى أن تساهله في ما يتعلق بصندوق النقد من المفترض أن يدفع القوى الأخرى إلى تساهل مماثل بالنسبة إلى العلاقة مع سوريا، إلا أن هذا الأمر لا يزال مستبعداً، بسبب ارتباطه بمواقف جهات إقليمية ودولية، تسعى إلى ما هو معقد أكثر من الواقع الحالي.

في الأسباب الموجبة، تحدّث السيد نصر الله عن الحاجة اللبنانية إلى سوريا، التي من المفترض أن تكون المعبر نحو الأسواق العربية الأخرى من الناحية الاقتصادية، بالإضافة إلى أن معالجة أزمة التهريب بين البلدين تتطلب التنسيق مع دمشق، معتبراً أن رهان البعض، من خلال تأخير ذلك، على تغير الأوضاع في سوريا أوهام وتضييع للوقت، إلا أن الأساس، بحسب ما تؤكد المصادر نفسها لـ"النشرة"، هو الخط الأحمر الذي رفع من جديد، بالنسبة إلى الدعوات لنشر قوات دولية على الحدود، الأمر الذي أكد أمينه العام أنه أحد أهداف ​العدوان الإسرائيلي​ في شهر تموز من العام 2006، وهو الموقف الذي سبق للحزب أن أكده في أكثر من مناسبة سابقة.

ما تقدم، بحسب ما ترى هذه المصادر، من المفترض أن ينقل الكرة إلى ملعب ​الحكومة​ الحالية برئاسة ​حسان دياب​، المدعومة من قوى الأكثرية النيابية، التي عليها أن تبادر إلى الاتصال بنظيرتها السورية، نظراً إلى أن القوى المعارضة لهذا التوجه غير موجودة داخلها، وبالتالي من الناحية السياسية ليس هناك ما يمنع ذلك، لكنها تسأل: "هل تستطيع أن تتجاوز المعوقات التي تحول دون ذلك، خصوصاً ما يتعلق منها بمواقف بعض الجهات الخارجية المعنية بالساحة اللبنانية، التي ربما تربط أي دعم مالي بمنع ترتيب العلاقات بين البلدين"؟.

في المحصلة، الكثير من الأسئلة من الممكن ربطها حول هذه المعادلة غير الواضحة المعالم حتى الآن، بحسب ما ترى المصادر السياسية المتابعة، والتي من المفترض أن تتوضح أكثر في الأيام المقبلة، إلا أن البداية ستكون من كيفية تعامل الحكومة مع دعوة أمين عام "حزب الله" المتجددة.