في الأيام المقبلة، لن تكون أغلب القوى السياسية اللبنانية بعيدة عن "لوثة" ملفّات الفساد التي تفتح بشكل شبه يومي، على وقع تبادل الإتّهامات في ما بينها حول المسؤولية عنها، لكن خلف الكواليس صراع يحتدم تقف خلفه جهات إقليميّة ودوليّة، تريد أن يقود ذلك إلى مسار جديد في البلاد لم تتّضح معالمه بعد.

إنطلاقاً من ذلك، يمكن الجزم بأنّ كل ما يحصل لا يمتّ إلى البراءة بصلة، لكن هذا لا يلغي مسؤوليّة تلك القوى التي أمعنت في الممارسات الشاذّة أو تغطيتها على مدى سنوات طويلة، ومن المتوقع، في المرحلة المقبلة، فتح المزيد من الملفّات التي ستقودها إلى تقديم تنازلات لم تكن، قبل أشهر قليلة، متوقّعة.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسيّة مطّلعة، عبر "النشرة"، إلى أن ما يحصل على أكثر من جبهة مترابط في مكان ما، وتلفت إلى أن ليس هناك أسهل من ملفّات الفساد لحشر القوى المتورّطة بشكل أو بآخر، بالتزامن مع خلق صراعات داخل القوى السياسية نفسها أو داخل البيئات التي تعمل بها، ومنها ما برز على مستوى الطائفة السنّية، بين رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ وشقيقه رجل الأعمال ​بهاء الدين الحريري​.

من وجهة نظر هذه المصادر ليس المطلوب الوصول إلى حقائق دامغة من وراء فتح هذه الملفات، بل يكفي ل​تحقيق​ الأهداف هو تكرار ما يحصل اليوم على مستوى ما بات يعرف بملف ​الفيول​ المغشوش، أيّ أن تسارع القوى المحلّية إلى تبادل الإتّهامات في ما بينها وكشف ما لديها من معلومات عن بعضها البعض، في هذه الحالة كان فريقي النزاع "​التيار الوطني الحر​" و​تيار المردة​"، أيّ بتعبير أدقّ نشر غسيلهما أمام الرأي العام، الذي يعيش حالة من الغضب بسبب ما وصلت إليه الأوضاع الإقتصاديّة والإجتماعيّة.

بالتزامن، تلفت المصادر نفسها إلى تبادل الإتّهامات في ملفّات أكبر، حيث تشير إلى أنه في الوقت الذي تعمد فيه بعض الجهات في قوى الثامن من آذار إلى التصويب على السياسات النقدية، التي يقف خلفها حاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​، فتح ملفّ المعابر الشرعيّة على مصراعيه من قبل حزب "القوات اللبنانية"، بعد أن كانت أوساط سياسية وإقتصادية أخرى تلمّح إلى مسؤولية تلك المعابر عن ​الأزمة​ الراهنة، بهدف وضع "​حزب الله​" ضمن دائرة الإتهام، والدعوة إلى إقفال تلك المعابر أو نشر قوات دوليّة لمقاربتها.

بالنسبة إلى المصادر السياسية المطلعة، هذا الواقع سيعمق من أزمة الثقة، القائمة بشكل أساسي منذ السابع عشر من تشرين الأول الماضي، بين القوى السّياسية الفاعلة والرأي العام، وتؤكّد أنّ الفجوة ستزداد يوماً بعد آخر، نظراً إلى أنّ عمليّة فتح الملفّات لن تنتهي قبل تحقيق الأهداف المتوخّاة منها، والتي ستتزامن مع محاولات خَلْق قيادات جديدة في البيئات السّياسية والطائفيّة المختلفة.

وتؤكّد المصادر نفسها أنّ ​الولايات المتحدة​ الأميركية ليست بعيدة عن هذا التوجه الجديد في التعامل مع الساحة اللبنانية، نظراً إلى أن ​واشنطن​ تعمد، منذ أشهر، إلى طرح شعارات ​مكافحة الفساد​ والإصلاح، بالتزامن مع الدعوات إلى قلب الصفحة، التي كانت قد عبّرت عنها ​السفيرة الأميركية​ السابقة إليزابيت ريتشارد في زيارتها الوداعيّة إلى ​القصر الجمهوري​ في ​بعبدا​، والتي ستزداد أكثر مع التوجّه نحو ​صندوق النقد الدولي​ لطلب المساعدة، وهو النهج المطبّق أيضاً من جانب الولايات المتحدة في التعامل مع الساحة العراقيّة.

في المحصّلة، تجزم هذه المصادر بأنّ المزيد من ملفّات الفساد ستفتح في الأيام المقبلة، الأمر الذي يرفع من حدّة المعارك السياسية بين مختلف الأفرقاء، لكن كل ذلك سيبقى ضمن معادلة لا يمكن المسّ بها تتعلق بالحفاظ على الإستقرار الأمني.