يكثر الكلام في ​لبنان​ والعالم عن إعادة فتح الأسواق والعودة الى الحياة الطبيعية بنحو تدريجي ومحدّد، بعد فترة طويلة من إجراءات العزل، للحدّ من تفشي ​فيروس كورونا​ (COVID-19). والهدف الأساسي من تخفيف الإجراءات له طابع إقتصادي، مالي، إجتماعي ونفسي. فلا يمكن الإستمرار في الإقفال إلى ما لا نهاية، وفي المقابل، فإنّ أي إجراء أو خطوة نحو خفض مستوى التعبئة العامة والعودة التدريجية الى إعادة تشغيل المحركات، يجب أن تكون قابلة للتعديل تبعاً للمعطيات اليومية.

هكذا قرار قد يبدو في ظاهره سياسياً، ولكنه يجب ان يكون مبنياً على أسس علمية بإميتاز (Science- Based Political Decision). التوقعات عن موجة ثانية أو أكثر أمر وارد، حسب مركز مراقبة الوباء والوقاية (CDC) في اتلانتا و​منظمة الصحة العالمية​، ولذلك، فانّ قرار فتح الأسواق وعودة الحياة إلى طبيعتها يجب ان يخضعا إلى معايير معينة ومنها:

أولاً: نِسَب العدوى:

- ترقّب عدد الحالات اليومية المسجّلة ومعدل نموها خلال 3 أيام.

- نِسَب النمو خلال فترة الأسبوعين الى الشهر الواحد، والتي يجب أن لا تكون مضاعفة.

- أن لا يتجاوز عدد الإصابات الإيجابية نسبة الـ 5% من العينات التي تمّ أخذها لفحص PCR.

- أن تبقى نسبة العدوى دون الشخص الواحد أساساً.

- تطوير أنظمة الترقّب والترصّد والتتبع وسرعة التواصل مع قاعدة المعلومات وخلية الازمة.

ثانياً: تقبّل المجتمع لنمط العيش الجديد:

قد لا تكون العودة الى الحياة الطبيعية كسابقتها، حيث ستكون هناك ضرورة لفرض قواعد التباعد الإجتماعي، منع التجمعات، إعتماد مستلزمات الحماية والوقاية الشخصية، فتح ​المدارس​ و​الجامعات​ والشركات مع التزام التدابير الوقائية، وتحديد النِسب الإستيعابية لرواد ​المطاعم​ والمقاهي وصالات العرض ووسائل النقل المشترك، بالاضافة إلى إعادة جدولة حركة الملاحة الجوية والطيران. هذا النمط الجديد قد لا يتقبّله المجتمع، فتؤدي نتيجة القرار السياسي بفتح الأسواق الى عكس المُرتجى منه على المستوى الإقتصادي والإجتماعي.

انّ أحد أهم أسس النجاح في مكافحة أي وباء هو نظام الحوكمة والإدارة وحسن التنظيم، لتعزيز القدرة على الترقّب وتشخيص الحالات الإيجابية وعزلها ومن ثم ترصّد كل من تخالط معها وحجرها. أضف الى ذلك، التواصل المستمر مع الجهات المتخصصة الدولية، من الجامعات ومنظمة الصحة العالمية و​البنك الدولي​، لإستكشاف المعايير المستجدة. كل ذلك يساهم في إتخاذ قرار علمي أكثر منه سياسي، بإعادة فتح البلاد ولو نسبياً.

ثالثاً: النظام الصحي وقدرته الإستيعابية:

لقد نجحت ​الدولة اللبنانية​ في تأمين المستلزمات، وتدعيم ​القطاع الصحي​، على أمل ان تكون الموارد البشرية حاضرة ومجهّزة بكل وسائل الحماية، لتأدية الدور الجبار والإنساني الذي قامت وستقوم به مشكورة. وهو ما يستدعي في موازاة إعادة فتح الأسواق، مع التأكّد المستمر من جهوزية المراكز الطبية والمختبرات ووحدات الحَجر ودعمها على المستويين اللوجيستي والمالي، لتكون في أعلى جهوزية في حال دهمتنا موجة جديدة من إنتشار الوباء.

إنّ العودة إلى الحياة الطبيعية ضرورة لإنتظام الدورة الإقتصادية والإجتماعية والنفسية، ومن أسس نجاح إجراءات العودة التدريجية، أن يكون القرار سياسياً، مبنياً على أسس علمية. لذلك وإلى أن يتمّ إكتشاف اللقاح المناسب لـ COVID-19، يجب أن تكون القرارات بعودة فتح المدن والأسواق متحرّكة ومرنة وتتكيّف مع المعطيات اليومية (non static)، على أمل أن نعتاد على هذا النمط من الحياة، وأخذ الإجراءات بكل جدّية. وإلاّ، فإنّ الفشل والكوارث وإنهيار المجتمع ستكون من صناعتنا كشعب.