لم يقتنع أحد بأن حملة قياديين في التيار "الوطني الحر" ضد "​حزب الله​" هي تعبّر عن آراء مطلقيها فقط، ولم يصدّق أحد أنّ الجماهير البرتقالية ضاقت ذرعاً بتصرفات الحزب المذكور، ولا بسياسات رئيس ال​حكومة​ حسّان دياب، فعبّرت من تلقاء نفسها. بل إكتملت القناعة عند المعنيين بأن الحملة تحصل بناء على إشارات من رئاسة "الوطني الحر" "، لا سيما أنها تزامنت مع تسريبات عن نيّة رئيس التيار النائب ​جبران باسيل​ بسحب او تجميد مشاركة وزرائه في الحكومة. السبب المُعلن هو معمل ​سلعاتا​. لكن تتراكم اسباب أخرى بحجم أولويات باسيلية، يلعب لأجلها رئيس التيار البرتقالي البلياردو، فيصوّب على هدف لإصابة أهداف أخرى. يبدو ان تلك الاهداف متعددة داخلياً وخارجياً، تكتيكاً وإستراتيجية. لكن بعكس ما يتردّد سياسياً وإعلامياً، لم يفتح باسيل موضوع الرئاسة لا مع حلفائه، ولا مع حلفاء حلفائه. على الأقل، لم يسمع "الثنائي الشيعي" من رئيس "الوطني الحر" لا تلميحاً، ولا إشارة، ولا جملة ولا كلمة، بشأن إنتخابات رئاسة الجمهورية. علماً أن الإستنتاجات السياسية تمحورت حول "إرباك يعيشه التيار جرّاء عدم تحقيق إنجازات رئاسية يبني عليها الوطني الحر في خوض معركتي الإنتخابات النيابية والرئاسية بعد سنتين". ليس العهد مسؤولاً هنا عن عدم تحقيق الإنجازات اللبنانية، لا بل إن الشعور "بتآكل العهد" مردّه الحقيقي إلى الظروف الإقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد ودول العالم حالياً.

فلنفترض أن هناك إرباكاً شديداً سيزداد مع إقتراب موعد الإنتخابات: هل يدفع ذلك "الوطني الحر" إلى إطلاق حملة ضد حليفه "حزب الله" الذي يعود له الفضل الأساسي والمساهمة الرئيسية بفرضه في مواقع القرار السياسي والحكومي منذ عام ٢٠٠٩ ولغاية الآن؟. يعرف باسيل أن الفريقين بحاجة إلى بعضهما البعض: فمن سيبقى للتيار "الوطني الحر" حليفاً وازناً في الداخل؟ تحكمه الخصومة السياسية الحادة مع معظم القوى الداخلية: أحزاب "المستقبل" و"القوات" و "المردة" و"​التقدمي الإشتراكي​"، بينما تحكم علاقته بحركة "أمل" موجات من التعاون أو الخصومة المضبوطة.

الخطير بفتح الإشتباك مع "حزب الله" أن التيار البرتقالي سيفقد بالمفهوم اللبناني، الركيزة السياسية الإسلامية له، خصوصاً إزاء الموقف السياسي السنّي من باسيل. يُسجّل هنا لرئيس الحكومة حسّان دياب تأمينه تغطية سياسية سنّية نسبية لحلف الفريق الحكومي، بمن فيهم "الوطني الحر". لكن اللافت أن باسيل يصوّب على طابة "حزب الله" ليصيب ضمنيّاً طابة رئاسة الحكومة، بعدما تصلّب دياب بموقفه الرافض لإنشاء معمل سلعاتا، ووافقه "الثنائي الشيعي".

من هنا يبدو دياب ايضاً أحد اهداف "الوطني الحر"، لفرض تغيير سلوكه لا استبدال حكومته، نتيجة توترات حصلت بين باسيل ورئيس الحكومة، أبرزها ​التعيينات الادارية​، ثم سلعاتا. لم يكن موقف النائب ​الياس بو صعب​ بشأن مركز محافظ ​بيروت​ عفوياً. صحيح أنّ نائب "لبنان القوي" إنطلق من حالة أرثوذكسية عامة رافضة لتعيين رئيس الحكومة مستشارته في منصب المحافظ، لكن تغريدته الحادة عبّرت عن أجواء ملبّدة بين الرابية و السرايا الحكومي، سرعان ما بدأت تتّضح في مسار اللقاءات والإتصالات بين حارة حريك والرابية بشكل أساسي.

تتحدث المعلومات عن عدم قبول دياب التنازل عن رؤيته بما خصّ التعيينات، ولا معمل سلعاتا. هنا شعر باسيل بأن سلوك رئيس الحكومة لا يتماشى مع طموحاته. تكشف معلومات خاصة ان النقاش جرى على الشكل التالي: التيار يعتبر أن الفضل يعود له بتسمية دياب لرئاسة الحكومة، فلماذا لا يوافق على كل المشاريع والرؤى والتعيينات كما يطرحها باسيل؟ بالمقابل، يعتبر دياب أنه يؤمّن للفريق الحكومي غطاء سنّياً لم يرض أحد غيره بتأمينه، ولا يمكن له الصمود في السراي من دون تأمين مقوّمات عملية تؤكد فعاليته في توليه منصب رئاسة الحكومة.

لا يقتصر البلياردو على هذه الطابات. هناك من يقول إن باسيل يُحاكي من خلال رفع سقف الخطاب ضد الحزب، عواصم غربية، ومنها واشنطن التي سعى سياسيون فيها لفرض عقوبات عليه. ايضاً، لتأمين أجواء مؤاتية للإنتخابات الرئاسية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون: لماذا تزور السفيرة الأميركية باسيل في لقاءات مطوّلة؟ هل لحث باسيل على سلوك نهج ضد الحزب؟ لا أجوبة على ذلك حتى الآن. لكن الحزب لا يبدو أنه يُعطي للخطاب البرتقالي إهتماماً أبعد من حصره بأمور داخلية. أظهر كلام الأمين العام للحزب ​السيد حسن نصرالله​ ذلك خلال مقابلته الإذاعية الأخيرة التي حاول خلالها إستيعاب الأزمة الناشئة بين الرابية وحارة حريك. يبدو إهتمام "حزب الله" بشكل أساسي، بالعناوين الوجودية الكبرى: مقاومة، عدوان إسرائيلي، حصار وعقوبات أميركية، نفوذ غربي في الإقليم، إقتصاد وقوة المحور، القدرة على التصدي لمشاريع ​صفقة القرن​ ومتفرعاتها...، وهي عناوين تتجاوز ​تفاصيل​ الحكومة والتعيينات، رغم عدم قفزه فوقها، لا بل المشاركة فيها. لكن إهتمام باسيل محصور بتدابير داخلية لها علاقة بموازين القوى السياسية والشعبية، والتعيينات، وسلعاتا، وتجاوب رئاسة الحكومة مع طلباته، ومزاج الرأي العام المسيحي إزاء الإنتخابات المقبلة على خطي النيابة ورئاسة الجمهورية.

فهل تبقى لعبة البلياردو قائمة؟.

تتحدّث المعلومات عن أنّ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري رفض إقتراح إعادة دخوله في مسار سياسي لإستقالة الحكومة الحالية وتسميته رئيساً لحكومة جامعة. لم يقبل "الشيخ سعد" تولي هكذا مهمة الآن. مما يزيد التمسك بدياب، الاّ إذا حصل ما يستدعي فرط الحكومة وتسمية آخرين مطروحين يتقدّمهم إسما رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، والنائب فؤاد مخزومي، المسنودان إلى تمثيل شعبي سنّي شمالي وبيروتي. واذا كانت اسباب الحريري بالرفض تعود الى غياب الحاضنة العربية الخليجية له، وعدم قدرته على الدخول في مسار حكومي جديد من دون سند عربي مالياً وسياسياً، فإن لعبة البلياردو ستتواصل بإتجاه دياب و"حزب الله". قد يصيب فيها باسيل طابات عدّة، وهذا حق مشروع في السياسة، لكن هل تقع الطابات في أهدافها؟.

​​​​​​​