مع دُخول ما إصطلح على تسميته "قانون قيصر"(1)، أيّ عمليًا سلسلة جديدة من العُقوبات الأميركيّة القاسية على سوريا، وعلى مُختلف الجهات الداعمة لها، حيّز التنفيذ(2)، ينخرط النظام السُوري وحلفاؤه في مرحلة جديدة على مُستوى الصراع مع الولايات المُتحدة الأميركيّة. فما هي أهداف هذا القانون الجديد، وكيف سيتأثّر ​لبنان​ به، وماذا عن "​حزب الله​"؟.

أوّلاً: إنّ الجديّة الأميركيّة في تطبيق "قانون قيصر" تمثّلت هذه المرّة في إدراج القانون المَذكور، ضُمن قانون مُوازنة الدفاع الأميركيّة السنويّة، مع التذكير أنّ الضُغوط والعُقوبات الأميركيّة السابقة كانت حالت حتى الأمس القريب دون إنطلاق عمليّات إعادة الإعمار الجديّة في سوريا، ومن شأن القانون الجديد أن يطوي هذه الصفحة كليًا في المرحلة الراهنة.

ثانيًا: المُلاحقات والعُقوبات ستشمل مُختلف الجهات التي ستتعامل مع النظام، من الأفراد مُرورًا بالشركات والمجموعات وُصولاً إلى الدول، وهي ستطال مُختلف أنواع الدعم العسكري والإقتصادي والمالي، إلخ. وبالتالي الإرتدادات السلبيّة لا تقتصر على بنية النظام السُوري، والجهات التي تدعمه فحسب، بل ستصل إلى مُطلق أيّ جهة ستُشارك في أيّ إستثمار في سوريا مُستقبلاً!.

ثالثًا: جرى كتابة بُنود "قانون قيصر" بأسلوب مَدروس بعناية، لمنع أيّ جهة من الإستثمار في سوريا، أي عمليًا لمنع إعادة الإعمار، في إستهداف مُباشر لكلّ من ​روسيا​ و​إيران​ حيث تُحاولان توظيف إنتصاراتهما العسكريّة الميدانيّة، في إستثمارات إقتصاديّة وماليّة طويلة الأمد على الأراضي السُوريّة.

رابعًا: صحيح أنّ روسيا وإيران ستتحديان العُقوبات الأميركيّة، وستعملان على مُواجهتها وعلى الإلتفاف عليها، لكنّ العُقوبات المُشدّدة على أيّ شخص أو شركة يُشتبه بخرقها لقانون العُقوباتستدفع العديد من الشركات الإقليميّة والدَوليّة إلى المُوازنة بين الأرباح التي ستُحقّقها من أيّ إستثمار في سوريا من جهة، وبين الخسائر التي ستلحق بها نتيجة العُقوبات الأميركيّة التي ستُلاحقها في مُختلف أنحاء ​العالم​، من جهة أخرى.

خامسًا: يشمل "قانون قيصر" العديد من القطاعات الحيويّة، وفي طليعتها قطاع الطيران وقطاع الطاقة (مثل ​الغاز​ والمُشتقات النفطيّة و​الكهرباء​)، وهو يُعرقل إعادة بناء البُنى التحتيّة المُدمّرة في سوريا، وصيانة وإصلاح مُختلف قطاعات الخدمات فيها.

سادسًا: في الوقت الذي تركّز الإهتمام الروسي والإيراني على دعم ​الجيش​ السُوري عسكريًا، للسيطرة على الطُرقات الدَوليّة الأساسيّة التي تربط سوريا بدول الجوار، خاصة ب​العراق​، ركّز "قانون قيصر" على إفقاد هذه الميزة أهمّيتها، من خلال تخويف أيّ شركة أو جهة ستتعامل مع النظام السُوري، أوستنقل البضائع والمعدّات والتجهيزات من سوريا وإليها، أكان برًّا أم بحرًا أم جوًّا.

سابعًا: من المُتوقّع أن تشمل العُقوبات الأميركيّة ​مصرف سوريا المركزي​، وأن تتسبّب بالتالي بمزيد من الصُعوبات الإقتصاديّة والماليّة للنظام وللشعب السُوري على السواء، ما يفتح الباب أمام مزيد من التراجع لقيمة العُملة السُوريّة. وهذا القانون سيحول أيضًا دون إعادة تطبيع العلاقات بين سوريا والعديد من الدول التي قاطعتها خلال العقد الأخير، ولن يُسهّل إعادة مقعد سوريا إلى المحافل العربيّة.

ثامنًا: على الرغم من قساوة "قانون قيصر" فإنه لا يُغلق الباب كليًا على أيّتسوية سياسيّة مُحتملة، حيث أنّ من صاغ هذا القانون ترك الباب مَفتوحًا بشكل جزئي أمام الحلّ الديبلوماسي، ما يعني أنّ ​واشنطن​ ستستخدم ورقة العُقوبات للمُساومة على ​تحقيق​ مكاسب سياسيّة. وهي طبعًا ستُعرقل أيّ إقصاء لها عن الحل النهائي في سوريا، وحتى أيّ عمليّة إعادة إعمار من دونها، والعكس صحيح وقابل للمُساومة! وعلى الرغم من أنّ المسؤولين الأميركيّين يحرصون على التشديد على أن لا تسوية في ظلّ حُكم الرئيس السُوري بشّار الأسد، فإنّ هذا الشرط يبقى عرضة للمُساومات السياسيّة في المُستقبل، حيث تضغط واشنطن لإنهاء كل العمليّات العسكريّة من جانب "محور المُقاومة"، وللبدءبالعمليّة السياسيّة الإنتقاليّة، ولإطلاق المُعتقلين، ولإعادة ​النازحين​، إلخ.

تاسعًا: إنّ لبنان لن يكون بمنأى عن الإرتدادات السلبيّة الكبيرة التي ستلحق بسوريا نتيجة "قانون قيصر"، حيث أنّ أيّ فرصة لمُشاركة جهات وشركات لبنانيّة في عمليّات إعادة إعمار سوريا، لن تجلب سوى المتاعب لكل من سيُشارك فيها. ولوائح العُقوبات الأميركيّة ضُد جهات لبنانيّة والتي يُنتظر أن تتسع في المُستقبل القريب، ستبقى سيفًا مُسلّطًا على رؤوس كل جهة ستُحاول دعم النظام السُوري، أو حتى الإستثمار في مناطق سيطرته. ولا شكّ أنّ "حزب الله" الذي يبقى الهدف الأساسي للإدارة الأميركيّة، لن يكون قادرًا على تأمين عمل شركات وهيئات مُقرّبة منه في سوريا، من دون التسبب بموجات جديدة من العقوبات ضُدّ هذه الشركات ومالكيها والعاملين فيها على المُستوى العالمي. وبكل بساطة، إنّ مُشاركة لبنان في تحدّي القرارات الأميركيّة، وبالتالي في أيّ عمليّة إعادة إعمار في سوريا، سيجلب خسائر ماديّة ومعنويّة تفوق بكثير أيّ أرباح يُمكن تحقيقها!.

في الخُلاصة، الصراع الإقليمي والدَولي من البوّابة السُوريّة لا يزال مَفتوحًا على مصراعيه. ومع بدء تطبيق بُنود "قانون قيصر"، المُواجهة القائمة في المنطقة منذ عقد كامل، مُرشّحة للتصاعد أكثر فأكثر، وبالتالي أيّ سياسة سيعتمدها لبنان الرسمي–غير سياسة "النأي بالنفس" عن هذا الصراع، لن تجلب له سوى المزيد من المشاكل والعُقوبات وبالتالي الإنهيارات.

(1) سُمّيت باقة العُقوبات ​الجديدة​ "قانون قيصر" تيمنًّا بالضابط السُوري الذي إنشقّ عن النظام، وهرّب أكثر من 55000 صُورة تُوثّق جرائم ضُدّ الإنسانيّة في سُجون ومُعتقلات النظام السُوري، كونه كان مُصورًا عسكريًا مُكلّفًا من قيادته بتوثيق واقع المُعتقلات.

(2) لائحة العُقوبات الأميركيّة على النظام السُوري بدأت بفعاليّة إعتبارًا من العام 2014، وهي تدرّجت صُعودًا، لتستحوذ على تأييد الديمقراطيّين والجُمهوريّين على السواء في العام 2019، ولتحظى بتوقيع الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ في 21 كانون الأوّل الماضي.