يعاني العالم اجمع، ومن ضمنه ​لبنان​ بطبيعة الحال، من ازمة ماليّة واقتصاديّة خانقة عكسها انتشار وباء ​كورونا​ الذي لفّ الكرة الارضية، فيما اضاف لبنان الى هذه الازمة ازمات اخرى تتعلق بواقعه السياسي وامور متصلة ب​الفساد​ والهدر. وفي خضم هذه الازمات، يبدو ان ​القطاع الفندقي​، والحمد لله، خارج نطاق هذه المعاناة، واستطاع بطريقة ما ان يحافظ على استقراره رغم كل الصعوبات التي تعترض القطاع السياحي بشكل عام، وحركة الطيران من والى لبنان... هذه الخلاصة نقلها الينا احد المواطنين اللبنانيين الذي رغب في قضاء عطلة نهاية اسبوع عائليّة في احد الفنادق على الساحل، وتحديداً في ​محافظة جبل لبنان​، وهو قرّر تحدي الاوضاع السيّئة، والاحتفال بالخروج من ​الحجر المنزلي​ وتخفيف التعبئة العامة تطبيقاً لقرارات الحكومة، فعمد الى الاتصال بأحد الفنادق الذي اعتذر عن استقباله بسبب "عدم وجود غرف شاغرة". وبما ان الشخص المعني ينتمي الى الطبقة المتوسّطة، فقد ابتعد حتماً عن الفنادق المعروفة بتعرفتها الباهظة، واخذ يتصل بالفنادق المصنّفة (ثلاث او اربع نجوم) على الساحل في محافظة جبل لبنان واحداً تلو الآخر، الا ان الجواب كان يأتيه نفسه في كل مرة "لا يوجد لدينا غرف شاغرة". اعتقد المواطن ان في الامر "مزحة ثقيلة" بداية الامر، لكنه سرعان ما اكتشف ان الجواب حقيقي ولا الاعيب خلفه، وسأل عن مواعيد متأخرة في الصيف ليأتيه الجواب ايجاباً انما ليس قبل شهر ايلول المقبل. وبعد جهد، وانتقاله بالسؤال من فندق الى آخر ومن مجمّع سياحي الى آخر، تمكن في النهاية من الوصول الى غايته في احد الفنادق، وكان سروره كبيراً لخرقه "الحجر الفندقي" الذي فُرض عليه، انما بحكم كثافة الحجوزات.

هذا الامر هو دليل على عافية القطاع الفندقي في لبنان، وهو امر جيد يُحسب لهذا البلد، خصوصاً وان عدد السكان قليل نسبة الى الدول والبلدان الاخرى، اكانت عربية ام اجنبية، وفي ظل ازمة اقتصادية ومالية خانقة لا تعطي الجميع رفاهية تمضية وقت (اكان طويلاً ام قصيراً) في الفنادق او المجمّعات السياحية، مع العلم ان التعبئة العامة الزمت اغلاق المطار الوحيد في لبنان حتى اشعار آخر، ما يعني ان الحجوزات في الفنادق هي محلّية مئة في المئة. وبذلك، يثبت اللبنانيون انهم بالفعل شعب محبّ للحياة، ويعرف كيف يتخطى المشاكل والمتاعب، شرط ان يُسمح له بذلك. وهذه المّرة، ازاح اللبنانيون عن كاهلهم هماً من الهموم الكثيرة الملقاة على عاتقهم، وهو همّ القطاع الفندقي الذي يبدو انه متعاف ومستقر، في ظل اسعار لا تزال "مقبولة" نظراً الى ارتفاع سعر صرف ​الدولار​ بالنسبة الى العملة الوطنية من جهة، والى الغلاء الذي طال كل شيء، من المواد الغذائية الى المواد الاساسية الاخرى والكماليات.

انها بارقة امل جديدة في نفق مظلم، ينتظر فيه اللبنانيون انبلاج فجر الخلاص، الذي قد يطول او يقصر نسبة الى ما ستؤول اليه المفاوضات مع ​صندوق النقد الدولي​ من جهة، وما سيتفق عليه الجميع للخروج من هذه الازمة على الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمالية.

يحاول اللبنانيون اليوم التأقلم مع المعطيات الجديدة التي ارساها وباء كورونا من جهة، وافرزتها الازمات السياسية والمالية والاقتصادية المترافقة مع هدر وفساد مستمر منذ عقود من الزمن. قد يأخذ هذا الوضع بعض الوقت، ولكن نسبة الى ما يُعرف عمّن ينتمون الى لبنان، فإن التكيّف مع الاوضاع ومحاولة التغلّب عليها واستعادة المسار العادي الذي كان قائماً، آتٍ لا محال، انما من دون تحديد اي وقت او سقف زمني.