لم يعد خافياً بأنّ ما يتعرّض له ​لبنان​ وسورية من حرب اقتصادية وإضعاف للعملة الوطنية في البلدين إنما هو استمرار للحرب الإرهابية الأميركية الصهيونية. في محاولة ل​تحقيق​ الأهداف الصهيونية في السعي إلى نزع ​سلاح المقاومة​ وإخضاع سورية للائحة الشروط الأميركية التي عاد وكرّرها قانون قيصر الذي أصدره ​الكونغرس الأميركي​ ودخل أمس حيّز التنفيذ..

لكن هل ستتمكّن هذه الحرب الاقتصادية في تحقيق ما عجزت عن تحقيقه الحرب الإرهابية بالوكالة، ومن قبلها الحروب العسكرية المباشرة؟

لقد كان كلام أمين عام ​حزب الله​ سماحة ​السيد حسن نصرالله​، واضحاً وحازماً، بأنّ محور المقاومة سيقاوم هذه الحرب وينتصر عليها كما انتصر على الحرب الإرهابية… ولن نستسلم أو نخضع ولن نقبل بمعادلة تسليم ​السلاح​ أو مواجهة الجوع…

هذا الكلام اقترن بطرح خطة اقتصادية للمواجهة، خطة بدأتها سورية منذ زمن بالتوجه شرقاً، وتقوم على تعزيز التبادل والتعاون الاقتصادي والتجاري مع حلفائها، واستخدام العملات الوطنية في التبادل التجاري والمقايضات بديلاً عن الدولار… خطة مدعومة بقدرات الحلفاء على كسر الحصار على سورية ومنع تجويع شعبها… وبالتالي منع سقوطها في شباك المشروع الاستعماري الأميركي…

لكن يبقى على لبنان أن يقتنع بمثل هذه الخطة لمواجهة الحصار، وما يستهدفه قانون قيصر الأميركي، وكذلك مواجهة حرب الدولار التي تشنّها ​واشنطن​ ضدّ ​الليرة اللبنانية​ لمفاقمة أزمات اللبنانيين المالية والمعيشية… وقبل ذلك على لبنان أن يقتنع، ​حكومة​ وشعباً، بأنّ ​أميركا​ إنما هي عدو وليست صديقاً له، فهي تسعى إلى تحقيق مصالحها… ولذلك تشنّ حرباً اقتصادية على لبنان لنزع سلاح قوّته بما يحقق المصلحة الصهيونية في العودة إلى استباحة لبنان وتحقيق أطماع الكيان الصهيوني في سرقة نفط وغاز ومياه لبنان…

وهنا مربض الفرس في الاستهداف الأميركي… ف​سياسة​ أميركا في لبنان تعمل لخدمة «إسرائيل»، وهي لم ولن تكن في يوم من الأيام تعمل لمصلحة لبنان لأنّ الأولوية والمصلحة الأميركية هي دعم وحماية أمن «إسرائيل» وتمكينها من تحقيق أطماعها ومخططاتها التوسّعية… واستطراداً تحقيق المخططات الأميركية في الهيمنة على المنطقة عبر جعل لبنان منصة لمحاصرة سورية وفرض الاستسلام عليها في سياق المحاولة اليائسة لإعادة تعويم مشروع ​الشرق الأوسط الجديد​ لفرض السيطرة الاستعمارية الأميركية على كامل المنطقة لمواصلة نهب خيراتها على طريقة الكابوي، راعي البقر الأميركي الذي يستعبد الأفارقة السود في أميركا، ولا زال يمارس سياسة التمييز العنصري إزاءهم حتى اليوم… فالنظام الأميركي الرأسمالي الاستعماري الذي يستعبد الشعب الأميركي لن يتعامل مع الشعوب الأخرى إلّا بنفس الطريقة من الاستعباد…

ومن يصرّ على الاستمرار في سياسة أحادية تسعى إلى سلخ لبنان عن محيطه وعمقه العربي الطبيعي لمصلحة التمسك بعلاقة تابعة الغرب وإقفال الأبواب أمام أيّ خيارات أخرى تخدم مصلحة لبنان وشعبه، إنما يريد أخذ لبنان إلى الغرق أكثر في مستنقع الأزمات لأنّ الغرب لا يريد مساعدته أصلاً على حلّ هذه الأزمات، بل يريد أن يظلّ لبنان قابعاً فيها لإيصاله إلى مرحلة الخضوع للشروط الأميركية… أما الإصرار على اعتبار سلاح المقاومة هو السبب فإنه لا يعدو إمعاناً في تنفيذ ما يريده الغرب بقيادة أميركا من نزع لقوة لبنان التي حرّرت أرضه وتحميه من العدوانية والأطماع الصهيونية التي تنتظر التخلص من سلاح المقاومة.. فـ «إسرائيل» الآن مغلولة اليدين بسبب وجود السلاح الرادع لها والذي تملكه مقاومة هزمت القوة التي لا تقهر، وباتت هذه القوة المقاومة تشكل قلقاً دائماً لأمن واستقرار ووجود الكيان الصهيوني الاستعماري العنصري… ولهذا فإنّ من يصرّ على نزع سلاح المقاومة إنما ينخرط في الأجندة الأميركية الصهيونية الهادفة إلى وضع لبنان بين فكي الوحش الصهيوني المفترس.. ولا يمكن أن نفهم لماذا يتمّ رفض أن يقبل لبنان المساعدات ​الصين​ية غير المشروطة، فيما الغرب وحتى «إسرائيل» يقيمون علاقات التعاون والتبادل الاقتصادي والتجاري معها.. حتى أنّ ​دول الخليج​، لا سيما ​الإمارات​ و​السعودية​ وقطر، توسعوا في علاقاتهم مع الصين… فلماذا ممنوع ذلك على لبنان؟

إنّه لسبب وحيد وهو منع لبنان من حلّ أزماته لأجل ممارسة الضغط عليه وصولاً إلى مقايضة رفع الحصار والسماح له بحلّ أزماته، بنزع سلاح المقاومة.. وفي الحالتين فإنّ أميركا تريد إخضاع لبنان وفرض هيمنتها الكاملة علية وتحويله إلى محمية أميركية صهيونية، وهو الهدف الذي سعت إليه مع «إسرائيل» إثر اجتياحها للبنان عام ١٩٨٢ من خلال اتفاق ١٧ أيار المسمّى اتفاق شولتز، نسبة إلى ​وزير الخارجية​ الأميركي الأسبق… وهو الاتفاق الذي أسقطته مقاومة الشعب اللبناني…

أما القول بأنّ لبنان لا يستطيع كسر الحصار وحلّ أزماته فهو محاولة لتسويق الأهداف الأميركية، وكما قال سماحة السيد حسن نصرالله، هناك استعدادات وإمكانيات كبيرة لدى ​إيران​ والصين لتقديم المساعدة للبنان لكن الأمر يحتاج إلى قرار وإرادة سياسية… ولا يوجد سبب يحول دون توجّه لبنان شرقاً خصوصاً أنه ليس هناك بدائل أخرى مطروحة أو متوافرة، في وقت بات بأمسّ الحاجة للمساعدة والوقت ليس في مصلحته وهناك من هو جاهز لنجدته من دون تكليفه أيّ أعباء.. وهو ما تعرضه الصين من مشاريع وقروض مالية ميسّرة من دون شروط… وما يمكن أن تقدّمه أيضاً إيران من تزويد لبنان بكلّ ما يحتاج إليه من نفط وغاز وفيول إلخ… وبأسعار تفاضلية وبالعملة الوطنية، وهو ما أعلن سماحة السيد استعداده لبذل الجهد في سبيله حال كان هناك موافقة من المسؤولين…

فهل هناك من هو في الغرب، أو دول أخرى حاضر لتقديم مثل هذه المساعدات والعروض السخية والميسّرة ومن دون شروط؟ إذا كان الجواب بالنفي فلماذا إذن يتمّ رفض العروض والمشاريع الصينية والحصول من إيران على ما يحتاج إليه لبنان من مواد نفطية وغاز وغيره…؟