تتضارب المَعلومات والآراء والتحاليل بشأن نتائج المُفاوضات القائمة بين ​لبنان​ الرسمي من جهة، ومُمثّلي ​صندوق النقد​ الدَولي من جهة ثانية، علمًا أنّ الجلسات لا تزال مفتوحة، والساعات القليلة المُقبلة ستشهد أكثر من إجتماع بين الصندوق وكلّ من ​وزارة المال​ ولجنة تقصّي الحقائق البرلمانيّة. والسؤال الذي يدور في أذهان الكثير من اللبنانيّين هو: هل سيُعطينا صُندوق النقد الدَولي المال المَطلوب؟.

بداية، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّه على الرغم من إجماع مُختلف الخُبراء الإقتصاديّين على ضرورة أن يقوم لبنان بتوحيد أرقامه الإقتصاديّة وخسائره الماليّة، للتفاوض مع مُمثّلي صُندوق النقد الدَولي، من موقع وطني مُوحّد ومن موقع الواثق والعارف والجدّي، لا تزال الخلافات والتباينات سيّدة الموقف على هذا الصعيد، الأمر الذي ضاعف أجواء البلبلة وعدم الإستقرار، في ظلّ الإشاعات الكثيرة عن إحتمال خسارة لبنان ورقة الدَعم المالي الدَولي!.

إشارة إلى أنّ الساعات القليلة المُقبلة مُهمّة، لأنّ ​لجنة المال​ والمُوازنة التي يرأسها النائب في تكتّل "لبنان القوي" ​إبراهيم كنعان​، كانت وعدت بسدّ الهُوّة على مُستوى الأرقام المرفوعة إلى الهيئات الدَوليّة، لأنّ إستمرار التباين الكبير بين مُقاربة هذه اللجنة للخسائر الماليّة ومُقاربة ورقة الحُكومة لها، لا يُساعد إطلاقًا على إنجاح أيّ مُفاوضات مع الجانب الدَولي، ويضرب مِصداقيّته. صحيح أنّ الصندوق يتفاوض مع الحُكومة اللبنانيّة، وهو سيتبنّى في نهاية المطاف أرقامها وخطّتها الإقتصاديّة والإصلاحيّة، لكنّ الأصحّ أنّه سيستمع للكثير من الآراء الأخرى، لتكون مُقاربته للحُلول المَطلوبة دقيقة وموضوعيّة وخالية من الأخطاء. وهذا ما يَستوجب توحيد الأرقام المَرفوعة من الجانب اللبناني، خاصة وأنّ الفرق هائل بين هذه الأرقام، وذلك بسبب تباين في مُقاربة إعادة هيكلة ​الدين العام​ وتأثير هذه الخُطوة على سندات الخزينة، وفي إحتساب قيمة التسليفات المُتعثّرة و​القروض​ المُستحقّة. أكثر من ذلك، لا تنحصر الخلافات في الأرقام فحسب، بل تشمل أيضًا المُقاربة الماليّة من أساسها، حيث يرفض الكثير من الخُبراء حديث الحُكومة عن "حجم الخسائر"، ويُصرّون على إستخدام عبارة "التعثّر المالي" بدلاً منها، لأنّ الحديث عن "خسائر" يَعني بأنّ الأموال لن تعود إطلاقًا، بينما الحديث عن "تعثّر" يعني أنّ الأمل بإعادتها في المُستقبل يبقى قائمًا.

وفي كلّ الأحوال، لا شكّ أنّ الكباش مُستمرّ بين ​الحكومة​ اللبنانيّة من جهة، وجمعيّة المصارف من جهة أخرى، والتعويل كبير على أن تنجح لجنة المال والمُوازنة في توحيد الأرقام النهائيّة، لأنّه لا إمكان للمُباشرة بخطّة إنقاذ وبإطلاق مسيرة الحلول، قبل الإعتراف بالمُشكلة وتحديدها بشكل دقيق. وعلى الرغم من أنّ صُندوق النقد الدَولي لا يزال يتكتّم بشكل كامل، على طبيعة الإجراءات والإصلاحات التي سيطلبها من لبنان، فإنّ الوشوشات تتناول مسألة إعادة هيكلة الدين العام، لا سيّما لجهة إستبدال الديون السياديّة القديمة، بديون سياديّة جديدة، بعد التفاوض مع الجهات الدائنة(1)، وكذلك مسألة شطب جزء من قيمة أصول الودائع أو تجميدها لفترة طويلة من دون فوائد أو مع فوائد مَحدودة، إلخ.

في الخُلاصة، لا مُفاوضات ناجحة مع مُمثّلي صُندوق النقد الدَولي من دون موقف لبناني مُوحّد، ولا مجال لإصلاحات ناجحة من دون قيام الطرف اللبناني بتوحيد أرقامه والتصرّف كفريق مُتضامن يسعى للإنقاذ وليس كجهات مُتقاتلة في ما بينها تسعى لتقاذف المسؤوليّات ولرمي تبعات الحُلول القاسية على بعضها! والخوف كبير في حال بقاء هذا الضياع في الموقف اللبناني، ألاّ يُعطينا صندوق النقد الدَولي المال المَطلوب، ناهيك عن ألاّ تكون هذه الأموال المَوعودة، كافية للبدء بالخروج من حال الإنهيار–حتى في حال وافق صندوق النقد على مدّ يد المُساعدة، في نهاية المطاف!.

(1) تبلغ قيمة الدين العام بالعملات الأجنبيّة والقابلة لإعادة الهيكلة نحو 30 مليار دولار، نصفها تقريبًا لصالح ​القطاع المصرفي​، ونحو 40 % منها لصالح الصناديق الإستثماريّة، و9 % منها لصالح ​مصرف لبنان​. أمّا الدين العام المُحرّر بالليرة، فهو يتآكل تلقائيًا بفعل التضخّم السريع الحاصل، علمًا أنّه يتوزّع بنسبة 53 % لمصرف لبنان، و33 % للمصارف، و14 % للمُؤسّسات العامة.