"معركة بين الحروب"، هو أفضل توصيف يُمكن أن يُقال لما تمر به إيران وأميركا اليوم. فالنزاع بين البلدين وصل إلى ذروته في الأيام الماضية على كافة الصعد الدبلوماسية وال​عسكري​ة والإقتصادية، إلى جانب الفوضى على كافة الجبهات من طهران وصولاً إلى ​اليمن​ مرورا بالعراق و​سوريا​ و​لبنان​.

منذ أيام كانت الذكرى الخامسة للاتفاق النووي الإيراني الذي أبرم بين إيران ودول الـ5+1، الذي لم يصمد كثيراً حتى خرج الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ منه في الثامن من أيار 2018. بقيت طهران تحاول تدوير الزوايا لإعادة إحياء هذا الاتفاق حتى قررت بعد عام من الإنسحاب، معاملة ​المجتمع الدولي​ بالمثل والانسحاب أيضاً، رداً على عدم تجاوب الدول المنضوية تحت الاتفاق مع المطالب الإيرانية.

استمرت الجمهورية الاسلامية بالرقص على حافة الهاوية رافضة أي مفاوضات تحت الضغط مع واشنطن، وبقيت الأخيرة تلعب لعبتها المفضلة وهي خنق أي عدو بالعقوبات الاقتصادية. إلا أن تاريخ 3 كانون الثاني من العام الحالي جاء ليحبط أي محاولة ممكنة للمفاوضات القريبة، بعد ان اغتالت القوات الأميركية قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في العراق، لتبدأ بعدها سلسلة الانحدار في العلاقة الثنائية بطريقة لم تشهدها الدولتان منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979. ومعها، بدأت "معركة بين الحروب".

إقتصادياً، بدأت إيران خطواتها الفعلية للبحث عن مخرج لأزماتها بعد فقدان الأمل من الدول الأوروبية. فلجأت منذ أيام إلى العدو اللدود لأميركا وهي الصين، وأعلن عن اتفاقية بقيمة 400 مليار دولار بين الصين وايران. الاتفاق منح الصين حضورا كبيرا في قطاعات ايرانية عدة منها التكنولوجيا والبنوك والاتصالات والمواصلات والموانئ، إضافة لشراكة عسكرية غير مسبوقة بين البلدين.

تمكّنت طهران من دقّ "المسمار" الأول في نعش نهاية عزلها دوليا، فالاتفاق مع الصين سيعطي ايران جرعة حياة، وسيقدم للصين حضورا قويا في ​الشرق الأوسط​، الأمر الذي أخرج الأميركي عن طوره، ولكن طهران لم تبال، بل أبرمت اتفاقية تعاون عسكري شاملة مع سوريا، تركز على تطوير الدفاعات الجوية السورية، لتكون هذه الخطوة أيضا محاولة لكسر الضغوط الأميركية في دمشق، والخطوة الثالثة في لبنان، حيث عبّرت طهران عن جهوزيتها لأي مساعدة تطلبها ​الحكومة اللبنانية​.

إنّ هذه الخطوات، فتحت على طهران حربا من نوع جديد بدأت ملامحها بالظهور في الأسابيع الماضية وهي العمليات الأمنيّة مجهولة المصدر التي ضربتها في عمقها. منذ بداية العام، تجتمع الأحداث الأمنية على إيران بقدر أو بفعل فاعل. بداية من إسقاط الطائرة الأوكرانية، ثم ​انفجار​ بارجة بفعل فاعل، وانفجار قرب منشأة عسكرية وآخر في مركز طبي، وأخيراً انفجار في مبنى قيد الإنشاء بمنشأة نطنز النووية. حوادث مختلفة بطبيعتها ومتباعدة جغرافياً، إلا أنها توضع في سياق محدد وهو استهداف المراكز الحساسة في إيران.

لم يتبنّ أحد أي عملية من هذه العمليات ولكن الإعلام الغربي والأميركي تحديدا، ألمح الى مسؤولية ​اسرائيل​ وأميركا، وخصوصا في قضية ​تفجير​ منشأة نطنز النووية، وذهب بعيدا لناحية الحديث عن التخطيط والتحضير والتنفيذ. ومع أن طبيعة الاعتداءات لم تتّضح بعد ولا طريقة تنفيذها، يبقى الأكيد أن شيئا مريبا يحدث، فتكرار الانفجارات والاعلان عن معظمها ووقوع بعضها في نقاط حساسة (بارشين، نطنز، منشأة كهرباء) يثير التساؤلات عمّا ستؤول إليه الأوضاع في إيران، خصوصا أننا نعيش في مرحلة هي الأصعب على إيران، حيث نقترب من الانتخابات الأميركية، كذلك من تاريخ انتهاء الحظر على بيع الأسلحة لإيران في تشرين اول المقبل.

هي حرب حقيقية في الظل تدور اليوم بين ايران واسرائيل واميركا، قد تبقى في الظل حتى منتصف الخريف للتبلور، أو قد تفلت من أيدي اللاعبين بها وتخرج الى العلن على شكل مواجهات عسكرية.