اللواء عباس ابراهيم​ هو اكثر من مدير عام للامن العام، وحركته تتجاوز إطار مهماته على رأس هذا الجهاز الذي يؤدي دوره على غير مستوى وصعيد ضمانا للسلم الأهلي الذي لا يتوافر ب​الأمن​ فقط، بل يتعداه إلى ​منظومة​ من التدابير التي تحصنه نفسيا واقتصاديا، وتمنع انزلاق البلاد نحو المجهول، وتعريضها لاخطار وجودية. ومن هذه الزاوية ينبغي التعاطي مع مهماته التي يحرص على أدائها بعيدا من الاستعراضية، وبروح تنم عن عمق التحسس بالمسؤولية الوطنية تجاه ال​لبنان​يين المستهدفين في مستقبلهم، ولقمة عيشهم ،وجنى اعمارهم. تحرك اللواء ابراهيم، جاء من خارج دائرة الصراعات المحتدمة بين الافرقاء "المتخندقين" لو أحيانا بما يخالف المنطق، وقدرة لبنان على الاحتمال، وراء متاريس دولية-اقليمية، غالية الكلفة، باهظة الأثمان على لبنان ‐كل لبنان‐ وابنائه-كل أبنائه.

ما أن بدأ المدير العام للامن العام تحركه، حتى تعددت التحليلات‐التكهنات، حول زيارته إلى ​الكويت​، ونشطت "السيناريوهات" بحسب أهواء أصحابها ومروجيها. هناك من بنى الآمال العراض عليها، واجدا فيها مفتاح الخلاص وبابه، فيما هناك من جزم أن نتائجها متواضعة ودون ما كان يؤمل منها.

اللواء ابراهيم لم يعد بشيء. قال أنه يسعى ويجتهد لفتح كوة في جدار العلاقات بين لبنان و​الدول الخليجية​ الذي يزداد سماكة، وهو واقع لا يمكن إنكاره. لكن العمل مطلوب للخروج منه.

قيل أن ​أمير الكويت​ لم يستقبل اللواء ابراهيم الذي يحمل له رسالة من ​رئيس الجمهورية​، لكن الاعتذار عن عدم الاستقبال ‐كما تبين‐ مرده إلى ظروف استثنائية خاصة حالت دونه، وليس إلى موقف سياسي. خصوصا أن رئيس ​مجلس الوزراء​ هو من تولى ذلك بتكليف من أمير البلاد، وتوجيه منه. وتناهى إلى المتابعين أن أجواء اتصالات المدير العام للامن العام كانت ودية وايجابية وواعدة، وكان محورها الحرص على توطيد العلاقات بين البلدين، والأمل بأن ينسحب ذلك على كل الدول الخليجية، لا أن يأتي الانفتاح المتبادل نتيجة أزمة عارضة، أو مستعصية. فالازمات تنحسر وتضمر، تشتد وتنفلش، لكن العلاقات هي الابقى والارسخ اذا وجد من يتعهدها بالمتابعة والرعاية.

في الكويت بحث اللواء ابراهيم مع كبار مسؤوليها مدى استعدادها للمساعدة على رفع العوائق من طريق العلاقات المتعثرة مع كل من ​المملكة العربية السعودية​، ودولة ​الإمارات العربية المتحدة​. علاقات لم تبلغ يوما هذا الحد من التأزم. ومهما كانت الذرائع والاسباب، فإن ما من شيء يبرر استمرار الحال على ما هي عليه من ترد.

إلى ذلك تبقى الأمور الأخرى ‐ على بالغ اهميتها‐ثانوية مقارنة بأصل ​الأزمة​.

تركز الاهتمام أثناء هذه الزيارة على الاتي:

أ‐تفعيل عمل الصندوق الكويتي للاستثمار لاستكمال مشروعات ​البنى التحتية​ التي تعهد بتنفيذها، وتبني مشروعات أخرى حيوية لا تحتمل التأجيل. وذلك لدفع عجلة الإنماء مع ما يوفر ذلك من حوافز اقتصادية واجتماعية.

ب–تحفيز الكويتيين، خصوصا من يمتلكون منازل في لبنان على المجيء لقضاء العطلة الصيفية فيه، واعتماده وجهة سياحية، لأن ذلك يشكل دعامة لمواجهة الأحوال القاسية التي يمر بها.

ج‐استيراد ​النفط​ بأسعار تفضيلية، على أن يكون الدفع مؤجلا دون فائدة أو بفائدة متدنية.

وإذا كان اللواء ابراهيم حذرا بطبيعته، ولا يقول "فول" حتى يصير في "المكيول"، فانه غير متشائم هذه المرة، ويرى أن زيارته أتت بنتائج معقولة يمكن ​البناء​ عليها.

وفي موازاة ذلك، وادراكا منه للدور الكبير الذي تضطلع به ​الرياض​ دوليا وعربيا، وحجم تأثيرها في الداخل اللبناني، كانت زيارته للسفير السعودي في ​بيروت​ ​وليد البخاري​ استكمالا لما سبق أن قام به من أجل صوغ مقاربات جديدة تحمل المملكة على إعادة النظر في سياستها المتشددة، وقطيعتها للحكوم، وحجبها ​مساعدات​ ما بخلت في تقديمها يوما عندما كان لبنان في مسيس الحاجة إليها.

مهمة صعبة ينهض بها اللواء ابراهيم. يدق ازميله في الجدار السميك لأحداث كوة فيه... لعل وعسى.

وفي سجل الرجل العديد من الإنجازات المتصلة بملفات خيل لكثيرين استحالة مقاربتها، لكنها بلغت معه حسن الخواتيم.

إنه يسير وازن الخطى على حبل من نار، محاذرا أن يحترق قبل فوات الاوان.