«لن أستقيل»، قالها رئيس الحكومة حسان دياب بصراحة وحزم من الديمان، موحياً انه يرفض ان يكون على «الحياد» في معركة ترمي الى إسقاطه، تبعاً لقناعته.

لكنّ رفض الاستقالة لا يكفي وحده لتفادي خطر سقوط الحكومة بأشكال أخرى، سواء في الشارع الذي قد ينفجر فجأة في وجهها او على مستوى احتمال انتفاء الجدوى السياسية منها اذا انعدمت قدرتها على إيجاد حلول للأزمات المتراكمة.

أما وصفة البطريرك الماروني بشارة الراعي للحياد فقد كانت موضع نقاش مع دياب على شرفة المقر البطريركي الصيفي في الديمان، حيث النسائم المعتدلة تخفّف من حدة حرارة الصيف والسياسة.

صحيح انه اللقاء المباشر الأول بين رئيس الحكومة والراعي منذ تشكيل الحكومة، لكن سبق لبكركي أن استقبلت في السابق موفدين من السرايا، كما حصل على سبيل المثال حين طُرحت مسألة إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي دافعَ عنه الراعي معارضاً أيّ توجّه رسمي لإقصائه. يومها، أرسلَ دياب موفداً الى البطريرك شرح له حقيقة موقف دياب من الحاكم، وعمل على معالجة الالتباسات وتطويق الخلاف قبل تفاقمه.

امّا لقاء السبت بين الراعي ودياب فقد شكّل فرصة ليشرح كل منهما وجهة نظره حيال التحديات التي تواجه الواقع اللبناني، من دون الحاجة إلى وسطاء وسُعاة بريد. عرض البطريرك مقاربته للحياد مؤكداً ضرورة اعتماده من أجل حماية لبنان، فيما دعا رئيس الحكومة الى تحديد مفهومه بدقة عبر الحوار، مشدداً على العداء لإسرائيل التي لا تزال تحتلّ جزءاً من ارضنا وتنتهك سيادتنا بالخروقات المتواصلة.

َوشرح دياب ما تواجهه الحكومة من ضغوط وأعباء منذ اليوم الأول لتشكيلها، مستعيداً قرارها بالتوقف عن تسديد دين اليوروبوندز الذي يبلغ لهذا العام 4,7 مليارات دولار، ومشيراً الى انّ خيار تعليق الدفع كان صائباً، «ولو سَددنا الدفعات المستحقة علينا من الديون لكان الوضع الحالي أسوأ». وتوقف عند كرة النار التي تلقّفتها الحكومة نتيجة التركة الثقيلة التي ورثتها، شارحاً الظروف الداخلية والخارجية التي تعترض جهودها، وكيف انّ التحديات تتلاحق بوتيرة تكاد لا تسمح لها بالتقاط الانفاس، من أزمة كورورنا الطارئة الى المشكلات المعيشية والاجتماعية المتناسلة.

وقدّم دياب إيضاحات حول الخطة التي أقرتها الحكومة لإقفال الفجوة المالية، والإجراءات الإصلاحية المتخذة على أصعدة عدة وما يجري تحضيره للمرحلة المقبلة.

وتلفت أوساط السرايا إلى أنّ الراعي كان محيطاً بتعقيدات الواقع الراهن، وبَدا متفهّماً للمسعى الذي يبذله دياب لتفكيكها ومعالجتها، مشيرة الى انه يعرف حجم المسؤولية الضخمة المُلقاة على عاتق رئيس الحكومة، ومؤكدة انّ العلاقة بين الجانبين اكثر من جيدة خلافاً لِما يحاول ان يوحي به بعض المتخصّصين في التشويش.

واذا كان هناك من يعتبر انّ دياب مسكون بهاجس التآمر عليه، ويتهيّأ له الى حد «الوَسوسة» بأنه مُستهدف دائماً، فإنّ القريبين منه يجزمون بأنّ ما كشفه أخيراً حول تحريض البعض في لبنان لعاصمة عربية على عدم مساعدة حكومته ليس نابعاً من أوهام وتهيؤات تِبعاً لِما يروّجه خصومه، وإنما يستند الى معطيات ووقائع صلبة.

ويلفت هؤلاء الى انّ دياب ارتكز في الموقف الذي أطلقه الى يقين تام، مُستمد من ثقته في الجهة التي تبلّغ منها بالمعلومات، مستغربة ان يبادر الرئيس سعد الحريري الى الزَجّ باسمه في قفص الاتهام، وينبري الى الدفاع عن نفسه، مع انّ رئيس الحكومة لم يُسمّه ولم يأت على ذكره، فلماذا شعر أنه المقصود؟

ويشير المحيطون بدياب الى انه يتفادى قدر الإمكان الدخول في سجالات لا طائل منها مع الحريري، «الّا انّ رئيس تيار المستقبل هو الذي يصرّ على وضع نفسه في بوز المدفع، تماماً كما يفعل حين يُبدي تَحسّسه الشديد من الكلام عن تراكمات الثلاثين سنة الماضية، مُصنّفاً الحريرية السياسية تحديداً في موقع من يمثّل كل تلك المرحلة ويختزلها، في حين انّ معظم مكونات الطبقة السياسية هي شريكة في تَحمّل المسؤولية عن سياسات تلك الحقبة وما أفرزته من أعباء استنزفت الدولة والشعب».

وما تعكسه أوساط دياب يفيد بأنّ الرجل يعرف بالاسم هوية من حاول تأليب إحدى الدول العربية عليه، وسعى الى إقناعها بعدم منح حكومته الأوكسجين حتى تختنق. ويبدو انّ من «تَورّط» في هذا الدور، وفق تقديرات السرايا، هم عديدون، لكنّ رئيس الحكومة يرفض الخوض في التسميات، على قاعدة انّ المعنيين يعرفون أنفسهم.

وتستبعد مصادر السرايا ان تكون تدخلات المنزعجين من الحكومة قد نجحت في تعطيل فرصة الحصول على مساعدة عربية، كاشفة انّ التواصل مع العراق والكويت وقطر سيتواصل لتحديد طبيعة الدعم الذي يمكنها تقديمه.

وتتوقع المصادر أن يزور وزير خارجية قطر بيروت قبل نهاية الشهر الحالي، على الارجح، في إطار تعزيز العلاقات الثنائية والبحث في شكل المساعدة القطرية المحتملة، بينما يستمر التعويل على تعاون عراقي وكويتي في مجال مَد لبنان بنفط منخفض السعر ومؤجّل الدفع، علماً انّ دياب يضع زيارة بغداد قريباً على جدول أعماله.

وبالترافق مع محاولة استجرار الدعم الموضعي من بعض العواصم العربية، تتجه الانظار الى الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الفرنسي الى بيروت الاسبوع المقبل، حيث تأمل أوساط السرايا في أن تفضي الى إعادة تحريك نتائج مؤتمر سيدر، موضحة انّ دياب سيشرح للضيف الفرنسي الإصلاحات التي أقرّت وتلك المزمَع تنفيذها وفق روزنامة زمنية محددة، في سياق بناء الثقة مع المجتمع الدولي عموماً وفرنسا خصوصاً.