في 21 كانون الثاني من العام 2020 الحالي، صدرت مراسم تشكيل الحُكومة ال​لبنان​يّة السادسة والسبعين بعد ​الإستقلال​، والثالثة في عهد الرئيس العماد ​ميشال عون​، وفي 10 آب من العام نفسه، أي بعد نحو مئتي يوم، إستقال رئيس الحُكومة الدُكتور حسّان دياب لتُفتح سريعًا صفحة جديدة في ​تاريخ لبنان​ الحديث. فما الذي سيحصل بعد هذه الخُطوة، بحسب المَعلومات والتحليلات المُتوفّرة؟.

أوّلاً: لم يسقط رئيس الحُكومة تحت وطأة ضُغوط الشارع–كما يعتقد المُتظاهرون الناقمون على النظام ككلّ، وبالتالي إنّ مطلبيّ إسقاط رئيس الجُمهوريّة ورئيس ​مجلس النواب​ هما مُجرّد أوهام، تمامًا كوهم فرض إنتخابات نيابيّة مُبكرة على السُلطة. فسُقوط الحُكومة برئاسة الدُكتور حسّان دياب، جاء نتيجة صراعات سياسيّة مَفتوحة منذ عُقود في لبنان، وبفعل تصفية حسابات داخليّة، إضافة إلى ضُغوط دَوليّة كبيرة، ناهيك عن الحاجة إلى كبش فداء لامتصاص وقع إرتدادات إنفجار المرفأ الدَموي. وقد شكّل تحريك رئيس الحُكومة السابق لمسألة تقصير ولاية ​المجلس النيابي​، وتعهّده علنًا بطرح مشروع قانون للإنتخابات النيابية المُبكرة، من دون أيّ تنسيق مع "​الثنائي الشيعي​" أو "التيّار الوطني الحُرّ"، النقطة التي أفاضت الكوب، فسحبت القوى المَوجودة في السُلطة غطاءها عن الحُكومة التي كانت عُرضة أصلاً لحملة شعواء من القوى الموجودة في المُعارضة، فسقطتسريعًا على الرغم من تأكيدات رئيسها مرارًا أنّه ليس من النوع الذي يستقيل وأنّه خُصومه لا يعرفونه!.

ثانيًا: بما أنّ أكثر من طرف أساسي في البلاد لا يُريد إنتخابات مُبكرة، وبما أنّه لا توافق إطلاقًا على أيّ قانون بديل، إنّ موضوع تنظيم إنتخابات مُبكرة–كما يُطالب المُحتجّون، غير وارد إطلاقًا في المرحلة الراهنة، الأمر الذي يعني أنّ الإحتجاجات ستبقى قائمة في الشارع في المدى المَنظور، وأنّ إستقالة الحُكومة تمهيدًا لتشكيل حُكومة جديدة لن تُوقفها. والإستقالات الفرديّة التي كانت بدأت تتوالى من المجلس النيابي، لن تشمل أيّ إستقالات جَماعيّةلكتل أساسيّة كُبرى–أقلّه حتى تاريخه، وبالتالي، إنّ كلاً من نوّاب "المُستقبل" و"​القوات​" و"الإشتراكي" لن يستقيلوا بشكل جَماعي، لأنّ مجلس النوّاب لا يسقط دُستوريًا بخروجهم، ولأنّ الإقدام على هكذا خُطوة سيُدخل لبنان في صراع سياسي ودُستوري وميثاقي أشدّ قساوة ممّا يحدث حاليًا، وسيمنح القوى في السُلطة حاليًا الكفّ المُرجّح في تمرير أيّ قرار وحتى أيّ قانون.

ثالثًا: تجري حاليًا إتصالات كثيفة ورفيعة المُستوى(1)، لغربلة الخيارات المُتاحة على مُستوى الحُكومة المُقبلة، في ظلّ تضارب كبير في المَعلومات والتحاليل في هذا الصدد. فهناك من يتحدّث عن إتصالات مع رئيس ​الحكومة​ الأسبق ​سعد الحريري​ للعودة إلى السُلطة على رأس حُكومة "وحدة وطنيّة"، في حين تنفي أكثر من جهة معنيّة بالدُخول في حُكومة من هذا النوع، وُجود أيّ إتجاه لإعادة عقارب ​الساعة​ إلى وضعيّة شبيهة بالحُكومتين الأولى والثانية من عهد الرئيس العماد عون. وهناك أيضًا من يتحدّث عن توافق إقليمي–دَولي واسع على تكليف السفير السابق نوّاف سلام(2) برئاسة الحُكومة المُقبلة، بهدف فتح الباب أمام المُجتمع الدَولي لمد يد العون إلى لبنان سياسيًا وإقتصاديًا، لكن لا مُؤشّرات حتى الساعة بأنّ الفريق السياسي مع "​حزب الله​"، رفع "الفيتو" الذي كان قد وضعه على إسم السفير سلام في المرحلة السابقة.

رابعًا: بمُوازاة الضُغوط ولُعبة المصالح الإقليميّة والدَوليّة، لا تزال الصراعات الداخليّة على أشدّها، وهذا الأمر له تأثيره المُباشر ليس على عمليّة تشكيل الحُكومة فحسب، وإنّما على مُجمل الوضع الداخلي. ومن بين الأسئلة المَطروحة: هل ستوافق القوى المُمسكة ب​السلطة​ حاليًا، والتي تُشكّل أغلبيّة نيابية في المجلس النيابي، على تشكيل حُكومة حياديّة بالكامل، أي من دون أن تتمثّل فيها بشكل غير مُباشر–كما كانت الحال عليها في الحكومة المُستقيلة؟ وكذلك: هل ستوقف القوى الموجودة في المُعارضة حاليًا، حملاتها على العهد وعلى الحُكم والتي كانت قد شلّت من خلالها قُدرة السُلطة على الإنتاج؟ وأيضًا: هل ستتوقف الإعتراضات الشعبيّة في الشارع، لإفساح المجال أمام الحُكومة ​الجديدة​ للإنطلاق، خاصة بعد أن بلغت المصائب المُتراكمة في لبنان حدًا يفوق قُدرة أيّ سُلطة على المُعالجة؟ الإجابات الأوّليّة على هذه الأسئلة الثلاثة سلبيّة!.

في الخُلاصة، ​الساعات​ والأيّام القليلة المُقبلة حاسمة لجهة تحديد الإتجاه الذي ستأخذه الأمور السياسيّة والإقتصاديّة والقضائيّة وغيرها في لبنان. وفي الإنتظار يُلاحقنا وباء ​كورونا​ على غفلة، حيث يُتوقّع أن تنفجر بوجه لبنان واللبنانيّين مُشكلة فادحة أخرى في المُستقبل غير البعيد، وتحديدًا عندما ستُصبح ​الإصابات​ اليوميّة بالآلاف وليس بالمئات فقط، مع ما يعنيه هذا الأمر من خطر عجز القطاع الإستشفائي عن مُواكبة المُصابين بوباء كورونا!.

(1) منها إجتماع مُهمّ عُقد أمس الأوّل وضمّ كلاً من رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ والنائبين ​جبران باسيل​ و​علي حسن خليل​ والمُعاون السياسي لأمين عام "حزب الله" الحاج ​حسين الخليل​.

(2) يشغل منصب قاض في ​محكمة​ العدل الدَولية في ​لاهاي​، علمًا أنّه كان قد شغل منصب سفير ومندوب لبنان الدائم في الأمم المُتحدة بين العامين 2007 و2017.