في الرابع عشر من تموز الفائت، أي قبل إستقالة ​حكومة حسان دياب​، قرر مجلس الوزراء السماح ل​شركات الترابة​، وبصورة استثنائية ولفترة تجريبية تنفيذ مشروع تأهيل مواقع المقالع كما هو مفروض بموجب القوانين والانظمة المرعية الاجراء والمقدم من قبلهم إلى وزارة ​البيئة​، كل ذلك لفترة اقصاها ثلاثة اشهر من تاريخ استخدام معداتها وضمن إطار رقابة تشاركية متشددة تقوم بها لجان متابعة برئاسة ممثل عن ​رئاسة مجلس الوزراء​ وعضوية ​ممثلين​ عن كل من: ​رئاسة الجمهورية​، وزارات البيئة و​الصناعة​ و​الصحة​ و​الزراعة​ واتحاد ​البلديات​ المعنية، إضافة الى كل بلدية موجودة الشركة أو المقلع ضمن نطاقها، فشركات الترابة العاملة وعددها 3، وهيئات ​التعليم العالي​ وهيئتين لا تتوخيان الربح من ​المجتمع المدني​.

وبحسب قرار مجلس الوزراء المذكور، كان من المفترض أن تباشر اللجان عملها خلال مهلة أقصاها خمسة أيام من تاريخ صدور هذا القرار لتحديد مواقع التأهيل والشروط المتعلقة بهذا العمل، ومن الشروط التي وضعت على الشركات التي توقفت عن العمل في المقالع منذ 8 أشهر بقرار من ​الحكومة​، العمل يومياً من الثامنة صباحاً ولغاية الرابعة من بعد الظهر، لخمسة ايام في الأسبوع وبعيداً عن المنازل السكنية.

كل هذه الشروط بقيت حبراً على ورق، والحجة أن الحكومة إستقالت غير مقنعة لأن الحكم إستمرارية ولأن ما تحتاجه شركات الترابة للعودة الى العمل ضمن شروط ورقابة لا يحتاج الى أكثر من حكومة تصريف أعمال، فالمسألة إدارية عادية يمكن للوزرات المعنية بتّها، وهي أصبحت قضية وطنية إنسانية، خصوصاً بعدما بات ​لبنان​ بأمس الحاجة للترابة لإعادة إعمار ما دمره إنفجار الرابع من آب في ​مرفأ بيروت​.

تخيّلوا مثلاً ان كيس الترابة السوداء المسعّر رسمياً بـ12000 تخطى سعره الـ55 ألف ليرة بسبب إحتكار التجار لمخزونهم وبسبب توقف شركتي الترابة في شكا عن العمل منذ 8 أشهر؟ وتخيّلوا مثلاً ان كيس الترابة ​البيضاء​ الوطنية مفقود من الأسواق وان أجهزة ​الدولة​ وجميع المسؤولين فيها على علم بأن الترابة البيضاء المصرية تدخل الأراضي اللبنانية عن طريق التهريب ويبلغ سعر الكيس الواحد منها بوزن 50 كيلوغراماً، 150 ألف ليرة علماً أن هذه النوعية سابقاً لم يصل سعرها الى أكثر من عشرين ألف ليرة لبنانية؟.

وتخيلوا مثلاً أن طن الترابة السوداء المتسورد يصل الى لبنان إذا فتحت السلطات المعنية الباب أمام إستيراده بـ38 دولاراً فقط بينما سعره في الأسواق اليوم أكثر من مليون ليرة.

يمنعون الإستيراد، يقفلون المقالع قبل تأمين البديل، ومن ثم يشكلون لجاناً غير منتجة لدراسة إعادة فتح المقالع أمام الشركات، وفي نهاية المطاف يعدون عشرات الآلاف الذين تضررت منازلهم في محيط مرفأ بيروت بإعادة ترميم ما تهدم ويطالبونهم بعدم بيع أرضهم ومنازلهم وعقاراتهم في المنطقة. عذراً عن أي ترميم يتحدثون من دون ترابة؟ وهل يعتبرون أن المواطنين قادرون على شراء الترابة بسعر السوق السوداء؟.

اللجنة المكلفة متابعة هذه القضية ستجتمع الإثنين والثلثاء وهي مطالبة بقرار، إما إعادة فتح المقالع وعودة الشركات الى عملها وإما بفتح باب الإستيراد، والأمر المرفوض هو بعدم صدور أي قرار وتأجيل هذه المهزلة التي أصبحت إنسانية بإمتياز.