بعد الإنتهاء من استحقاق حكم ​المحكمة الدولية الخاصة بلبنان​، في جريمة إغتيال رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، إنطلقت المشاورات بين القوى السياسية المعنية للإتفاق حول اسم رئيس الحكومة المقبلة وشكلها، في ظل التباين في وجهات النظر المستمر، سواء بين الأفرقاء المحليين أو بين الجهات الفاعلة إقليمياً ودولياً.

في هذا السياق، بات من شبه المحسوم أن الدعوة إلى الإستشارات النيابية الملزمة لن توجَّه قبل حصول الإتفاق، أي أن معادلة التأليف قبل التكليف التي رافقت حكومة تصريف الأعمال سوف تتكرر من جديد، لكن الظروف الحالية لن تكون سهلة على الإطلاق.

على هذا الصعيد، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الثنائي الشيعي، "​حزب الله​" و"​حركة أمل​"، يفضل عودة رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ إلى رئاسة الحكومة، وهو ما عبّر عنه رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ بشكل حاسم أكثر من مرة، في المقابل لا يبدو أن "​التيار الوطني الحر​" متحمس إلى هذا الخيار، وهو عبّر عن هذا التوجه في الأيام الماضية بأكثر من طريقة.

على الرغم من ذلك، تلفت هذه المصادر إلى أن المعادلة التي فرضها اللقاء الرباعي، الذي جاء بعد استقالة حكومة حسان دياب قبل نحو اسبوع، بين رئيس المجلس النيابي ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب ​جبران باسيل​ ومستشار أمين عام "حزب الله" حسين خليل ومستشار بري السياسي النائب علي حسن خليل، لا تزال هي الطاغية بالنسبة إلى قوى الأكثرية النيابية، أي أن الأولوية هي لحكومة سياسية برئاسة الحريري أو من يسميه، في مقابل رفض الذهاب إلى حكومة حيادية.

في المقابل، توضح المصادر نفسها أن العديد من القوى المعارضة ترفض هذا التوجه، حيث ترى أن الأولوية يجب أن تكون لتشكيل حكومة حيادية تتولى الإعداد لإنتخابات نيابية مبكرة، في حين أن الحريري، الراغب في العودة إلى السراي الحكومي، لا يزال ينتظر معالجة الفيتو الموضوع عليه من الجانب السعودي، الأمر الذي لا يبدو متوفراً حتى الساعة بالرغم من الجهود التي يبذلها الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​.

في هذا الإطار، ينبغي الإشارة إلى مجموعة من الرسائل المتناقضة التي كان قد أرسلها الجانب الأميركي، في الساعات الماضية، حيث عبّر عن عدم معارضته مشاركة "حزب الله" في الحكومة المقبلة، على قاعدة أنه كان ممثلاً في الحكومات السابقة، لكنه في المقابل وضع شروطاً حول ضرورة أن تكون الحكومة المقبلة قادرة على تطبيق إصلاحات اقتصادية ونقدية ومحاربة الفساد المستشري وتحسين الشفافية.

بالنسبة إلى المصادر السياسية المطلعة، حتى اليوم لا يمكن الحديث عن تسهيلات أميركية، خصوصاً أن الموقف السعودي لا يمكن أن يكون منفصلاً عن الموقف الأميركي، إلا أنها تراهن على قدرة الرئيس الفرنسي، لدى زيارته بيروت في الشهر المقبل، على إحداث خرق ما على هذا الصعيد، في ظل الإهتمام الذي تبديه باريس بالساحة اللبنانية، نتيجة الصراع المحتدم على النفوذ في البحر المتوسط، خصوصاً مع الجانب التركي.

من وجهة نظر هذه المصادر، الجانب الفرنسي قادر على تحقيق هذا الأمر من جديد، بعد أن نجح في رعاية التسوية الرئاسية التي قادت إلى انتخاب ​ميشال عون​ رئيساً للجمهورية وعودة الحريري إلى السراي الحكومي، خلال مرحلة ​الإنتخابات الرئاسية الأميركية​ الماضية التي فاز فيها دونالد ترامب، وبالتالي هي من الممكن أن تستغل انشغال واشنطن في هذا الإستحقاق المستعر، لتمرير تسوية لبنانية جديدة.

في المحصلة، ترى المصادر نفسها أن هذا الأمر من المفترض أن يتظهر بشكل واضح لدى زيارة ماكرون إلى بيروت، حيث تعتبر أن الوصول إلى تسوية محلية قبل هذا الموعد قد يكون أمراً صعباً، إلا أنها تشدد على أن ذلك ليس مستحيلاً بإنتظار ما قد تسفر عنه المشاورات القائمة على هذا الصعيد.