في ظل الازمة الحالية التي يعاني منها ​لبنان​، كان لافتا الحديث عن منافسة فرنسيّة-تركيّة على الساحة اللبنانية، اذ تحدثت تقارير عن أن أحد أبرز أهداف ​فرنسا​ من التدخل المباشر في رسم التسوية اللبنانية، هو لجم الجانب التركي الذي يحاول بدوره استثمار ما حصل في ​مرفأ بيروت​، وتثبيت قدمه على الأراضي اللبنانية، فما هي حقيقة وحجم الدور التركي في لبنان؟.

لم يكن ل​تركيا​ قبل العام 2002 أي أهداف في بيروت، ولكن بعد وصول حزب العدالة والتنمية الى الحكم، تغيّرت سياستها الخارجية، اذ تبيّن أن هذا الحزب يحمل معه أهدافا كبرى على رأسها إستعادة المظلّة العثمانيّة، والدور الذي كانت تمثّله في كل المناطق التي كانت تابعة للسلطنة، وهذا الأمر الذي لم يخفيه حزب العدالة والتنمية، مارسه كل من تعاقب على السلطة وآخرهم رجب طيب أردوغان. ولكن هذا ليس السبب الوحيد.

يشير الخبير في الشؤون التركيّة ​محمد نور الدين​ الى أن تركيا وإن كانت تلتقي مع العديد من الدول العربيّة حول ضرب الدولة السوريّة، بعد اندلاع ما يُسمّى بالربيع العربي، إلا أنها لم تتمكّن من إخفاء الصراع التاريخي الأيديولوجي المرير على زعامة العالم الإسلامي، بينها وبين المصري والوهابي، مشددا في حديث لـ"النشرة" على أن هذا الصراع بدأ أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، ولا يزال مستمرا حتى اليوم، ويشكّل لبنان بالجزء السنّي منه ساحة رئيسية له.

لا تنتهي العوامل التي تجعل تركيا تسعى لدور في لبنان هنا، فهناك عامل استجدّ عام 2011 بعد سقوط نظام معمّر القذافي في ليبيا، الأمر الذي دعمه الفرنسي، ورفضه التركي، واليوم يعيش الطرفان صراعا كبيرا على الأرض الليبية، عنوانه بينهما "النفظ" و"الغاز"، الأمر الذي يمتدّ الى الصراع على الواقع القانوني لقبرص ​اليونان​يّة، والمياه الإقتصاديّة لها، والعلاقة مع اليونان. وهو انتقل الى لبنان بعد إنفجار مرفأ بيروت.

نعم لأنقرة أهدافها الواضحة من بيروت، وهي ترتبط بالمنفعة الإقتصادية، والصراع الإقليمي على السلطة والمال والأعمال، ولكن حتى اليوم لا تملك الأدوات اللازمة لخوضه في الداخل اللبناني. وفي هذا السياق يشير نور الدين الى أن الساحة الوحيدة المتاحة لتركيا على الارض اللبنانية هي الساحة السنّية، واذا قمنا بتشريح مراكز النفوذ في هذه الساحة، سنجدها تنتمي أو تتعاطف بغالبيتها التي تصل الى حوالي 65 بالمئة مع مصر والسعوديّة أو مع ​دول الخليج​ بشكل عام أكثر من تركيا.

ويضيف: "في لبنان 25 بالمئة من الطائفة السنّية تملك نزعة وطنيّة قوميّة، ما يُبقي حوالي 10 بالمئة قادرة تركيا على التأثير بهم، وهؤلاء هم الجماعة الإسلاميّة، ولبنانيّون من أصل تركي، وبعض المجموعات الهامشيّة التي تبحث عن دور ما، وبعض القيادات التي لها مصالح اقتصاديّة مشتركة مع أنقرة"، مشيرا الى أن هذا الدور لا يشكّل حالة نفوذ، ولا يملك تأثيرا جدّيا.

إذا، قد يبدو الحديث عن منافسة فرنسيّة تركيّة في لبنان غير عادل، فلا يملك الطرفان وسائل المواجهة نفسها، لأنّ الدور التركي في لبنان قد يكون محصورا في القدرة على "المشاغبة"، لا القدرة على "المنافسة".