بعد الانفجار الذي وقع في ​مرفأ بيروت​، في الرابع من الشهر الحالي، ظن الكثيرون أن القوى السياسية المحليّة ستخجل من العودة إلى الطروحات التي كانت طاغية قبل السابع عشر من تشرين الأول الماضي، لا سيّما بعد الإتّهامات التي وجّهت لها من قبل العديد من الجهّات الدوليّة والإقليميّة، بالفساد والهدر والسرقة، من دون تجاهل رأي القسم الأكبر من اللبنانيين بها.

ما تسرّب عن لقاء الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ برؤساء الكتل النيابيّة، خلال زيارته إلى بيروت بعد كارثة المرفأ، أكّد بما لا يقبل الشك هذه المعادلة، فالشخصيّات التي اجتمع بها سمعت كلاماً قاسياً عن أدائها في الفترة الماضية، وطلب منها المباشرة في تغيير النهج قبل عودته إلى لبنان في الشهر المقبل، لكن ما هي إلا أيام قليلة حتى عادت بعض القوى السّياسية إلى الترويج لنظريّة عودة رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ إلى ​رئاسة الحكومة​.

وفي حين لا يبدو أن طريق هذه العودة معبّد حتى الآن، في ظلّ الفيتوات، المحلّية والخارجيّة، التي توضع على اسم الحريري، فإنّ مجرد طرح هذا الخيار، في الوقت الراهن، من المفترض أن تدور حوله الكثير من علامات الإستفهام، لا سيما لناحية تجاهل كل الأصوات المطالبة بالتغيير، وكأنّ المطلوب أن تتولى المجموعة، التي كانت هي المسؤولة عن الكوارث التي لحقت باللبنانيين، إخراجهم منها من دون أن تقدّم أيّ دليل بقدرتها على ذلك، الأمر الذي لا يمكن أن يتقبّله أي عاقل.

في هذا الإطار، من حقّ أيّ جهّة أن ترسم السيناريوهات التي تريدها حول المؤامرات الدوليّة أو الإستهداف الخارجي، لكن من حقّ اللبنانيين أن يسألوا عما إذا كانت غالبيّة هذه القوى السّياسية تدرك أنّها كانت مسؤولة بشكل مباشر عمّا حصل في البلاد في السنوات الماضية، وبالتالي كان عليها أن تذهب إلى تبديل نهجها قبل ذلك، لا أن تطلب اليوم فرصة إضافيّة، على قاعدة أن ليس هناك من مخلّص غيرها.

ما تقدم، لا يعني الدعوة أو الرغبة في الذهاب إلى حكومة حياديّة، يدرك من يطالب بها قبل غيره أنّ الهدف منها هو الإنقلاب على نتائج الإنتخابات النيابية، خصوصاً أن ليس من السهل التوافق على مجموعة من الشخصيّات الحيادية في لبنان، لكن من الضروري أن تشعر القوى السياسية المعنية، على الأقل، بالخجل من الطروحات التي تتقدم بها، وأن تبحث عن شخصيات قادرة للحد من سرعة الإنهيار الحاصل في البلاد، لا سيما أنّ القسم الأكبر من اللبنانيين يفقدون، يوماً بعد آخر، أيّ أمل بالخروج من الأزمة.

وبالتالي، إحتراماَ لمشاعر اللبنانيين الذين لم يفقدوا الأمل بالبقاء في هذه البلاد، من الضروري، ولو بالشكل فقط، البحث عن الحلول التي لا توحي بوجود تسوية تعطي القوى السياسية براءة ذمّة عن كل ما أرتكبته في السنوات الماضية، خصوصاً أن تلك القوى تُصر على رفع شعارات الإصلاح و​مكافحة الفساد​، فهل تريد أن تقوم بذلك بالأدوات نفسها التي كانت مسؤولة عن الإنهيار والفساد، الذي كانت أبرز مظاهره الإنفجار الذي وقع في مرفأ بيروت؟.

في المحصّلة، إذا كان المطلوب الذهاب إلى تشكيل حكومة سياسية قادرة أو حكومة محميّة سياسيا، فإنّ أقلّ الواجب أن تكون أفضل ما يمكن أن تنتجه التركيبة الحاكمة، وهذا الأمر يبدأ من إختيار رئيسها، فهل إختيار سعد الحريري سيكون رسالة إيجابيّة إلى اللبنانيين من قبل القوى والجهات التي يراد منها مساعدة لبنان؟!.