في 21 شباط تمّ إكتشاف أوّل حالة إصابة بوباء ​كورونا​ (Covid-19) في ​لبنان​، ومنذ ذلك الوقت تلجأ السُلطات المَعنيّة دوريًا إلى إجراء الإغلاق للبلاد بهدف الحدّ من سرعة الإنتشار. فهل هذا التدبير هو الأفضل لمُواجهة الوباء، بحسب الخُبرات التي إكتسبت من مُختلف دول ​العالم​؟.

الإجابة المُباشرة والسريعة: كلا! وجداول تطوّر أرقام ​الإصابات​ المُسجّلة في لبنان تُثبت ذلك، قبل وخلال وبعد كل إغلاق جديد للبلاد، بإستثناء بدايات إعتماد هذا التدبير، أي يوم كان عدد الإصابات الإجمالي لا يزال مُنخفضًا، ويوم كان الناس لا يزالون يخافون من الوباء، ويوم كان ​المطار​ لا يزال مُقفلاً أيضًا. أمّا اليوم، وبعد أن تغيّرت كل هذه المُعطيات المَذكورة، فإنّ الإغلاق الجديد للبلاد هو فاشل بكل المعايير. والأدلّة والبراهين تؤكّد هذا الواقع، وأبرزها:

أوّلاً: إنّ تدابير الإغلاق الأخيرة لم تعد شاملة، بل جزئيّة وإنتقائيّة وفيها الكثير من الإستثناءات، ما يعني فُقدان الهدف الأساسي من الإغلاق بحدّ عينه، حيث أنّ العَدوى ستجد طريقها إلى الإنتشار من خلال الأماكن الكثيرة المَفتوحة والمُستثناة من الإغلاق. أكثر من ذلك، إنّ إستنسابيّة قرارات الإغلاق دفعت الكثيرين إلى عدم الإلتزام وإلى التمرّد عليه. وبالتالي، ماذا ينفع أن يُغلق متجر في منطقة مُعيّنة وأن يفتح آخر مُشابه في منطقة أخرى؟. وماذا ينفع أن يُقفل سوق هنا وأن يفتح سُوق آخر هناك؟ وماذا ينفع أن يُغلق مطعم هنا وأن يفتح مطعم تابع لفُندق هناك؟ والأمثلة لا تنتهي...

ثانيًا: إنّ إستنسابيّة معايير الإغلاق غير منطقيّةوتُساهم بدورها في إفشال الغاية من الإغلاق، فكيف يُمكن أن ينفع إغلاق متجر صغير للألبسة، يكاد لا يدخله زبون واحد طوال ​النهار​، في الوقت الذي يتجمّع فيه الناس بالعشرات جنبًا إلى جنب في سُوق للخُضار مثلاً؟!وكيف يُمكن أن ينفع إغلاق متجر حِرفي صغير في الوقت الذي يُسمح فيه بتجمّع عشرات الأشخاص في "شاليه" جبلي ضيّق للإحتفال؟!.

ثالثًا: إنّ نسبة إلتزام الناس بتدابير الإغلاق تراجعت بشكل كبير، بسبب هذه الفَوضى من جهة، وبسبب تراجع الخوف من الوباء من جهة أخرى، وبسبب وُجود فئات واسعة من الناس غير واعية ولا مُثقّفة وما زالت تنكر حقيقة وُجود كورونا من الأساس، من دون أن ننسى العامل الحياتي والمعيشي الضاغط والذي يفرض على الكثيرين الإلتفاف على القانون لتأمين لقمة العيش. أكثر من ذلك، إنّ الأشخاص الذين يلتزمون بتدابير الإغلاق هم عادة الأكثر تقيّدًا بالقوانين وبالتوجيهات عُمومًا، وهم أيضًا الأكثر حرصًا على الإلتزام بتدابير الحماية من الوباء، بينما الكثير من الأشخاص الذين يرفضون الإلتزام بالمُطلق هم من فئة غير المُبالين والأكثر إستهتارًا، والذين يلعبون بالتالي دورًا كبيرًا في إنتشار الوباء في المُجتمع اللبناني.

رابعًا: إنّ إغلاق البلاد، وشلّ عمل قطاعات واسعة فيه، بالتزامن مع ترك المطار يعمل بشكل شبه طبيعي من دون مُتابعة حازمة ولصيقة للوافدين، وبالتزامن مع السماح بتنظيم اللقاءات الإجتماعيّة الحاشدة بين الناس، وبإقامة حفلات الشواء، وبالتنزّه وبمُمارسة رياضة المشي، على سبيل المثال لا الحصر، لا يؤمّن الغاية من الإقفال. والأخطر من ذلك، إنّ تحديد معايير للإقفال ومواعيد لمنع التجوال، والتغاضي عن تطبيق القوانين بحقّ المُخالفين–كما حصل خلال الأيّام القليلة الماضية، هو أسوأ من قرار الإقفال الفاشل بحدّ عينه، لأنّه يُشجّع الناس على المُخالفة ويزيد الإستهتار، ويجعل المُلتزمين يدفعون وحدهم ثمنًا باهظًا لمُخالفات غير المُكترثين بصحّتهم وبصحّة سواهم!.

إذًا، وبما أنّ تدبير الإغلاق المُطبّق من جانب السُلطات المَعنيّة في لبنان، فاشل، كيف يُمكن السيطرة على إنتشار وباء كورونا الذي صار مُتفشًياً؟ بكل بساطة، يُمكن التمثّل بتدابير الحماية المُطبّقة في دول العالم المُتحضّر، وإستخلاص العبر منها!وفي هذا السياق، يجب ترك البلد مَفتوحًا، للحفاظ على الحدّ الأدنى من ​الدورة​ الإقتصاديّة، لكن في الوقت عينه، يجب التشدّد إلى أقصى الدرجات في تطبيق تدابير الحماية من وباء كورونا والحدّ من سرعة إنتشاره، وفرض أقسى العُقوبات والغرامات على المُخالفين.

بمعنى آخر، يجب فرض إرتداء الكمّامات ليس في الأماكن العامة فحسب، إنّما في مُختلف أماكن التخالط، ويجب فرض التباعد الإجتماعي فعليًا وليس نظريًا، وكل من لا يحترم الإنتظار في الصفّ وخلف الخُطوط المرسومة في ​المصارف​ والمتاجر الكُبرى، إلخ.يُعاقب بشدّة. ويجب تكثيف حمَلات التوعية، وتشجيع الناس على إرتداء الكمّامات في أيّ مكان عام،وعلى التباعد الإجتماعي والحدّ من الإحتكاكوترك مسافة آمنة في ما بينهم، وعلى إلتزام قاعدة غسل الأيدي وتطهيرها دوريًا. ويجب مُتابعة كل وافد من الخارج بشكل لصيق ودقيق-بمُساعدة شرطة البلديّات، ومنعه من التخالط قبل التأكّد من خلوّ جسمه من الوباء. ويجب مُتابعة وعزل كل الحالات الإيجابيّة في لبنان بشكل دقيق، وكذلك مُتابعة كل المُخالطين لها وإجراء الفُحوصات اللازمة لهم، إلخ.

ومن الضروري الحفاظ على الحدّ الأدنى من ​الحياة​ الطبيعيّة، لجهة عدم إغلاق القطاعات العامة والخاصة، لكن مع تطبيق نسبة 50 % من الإشغال فِعلاً لا قولاً. ففي الدُول المُتحضّرة، أعيد مثلاً فتح دور العبادة، لكن يجب تسجيل أسماء المُصلّين مُسبقًا والجلوس في أماكن مُتباعدة مُحدّدة مُسبقًا، وأعيد فتح ​المطاعم​ والمقاهي، لكن مع فصل الطاولات عن بعضها بطاولات فارغة من الزبائن، وأعيد فتح المتاجر والمحال على أنواعها، لكن مع إتخاذ كل تدابير الحماية ومنع الإزدحام، إلخ.

في الخُلاصة، أوقفوا الإغلاق الكامل... وافرضوا تدابير الحماية الضروريّة بالقُوّة، لأنّ النتائج الفاشلة للتدابير المُتخذة حتى اليوم من قبلكم، تتحدّث عن نفسها، ويجب إستبدالها فورًا بأخرى جديدة، علّنا نصل إلى الغايات المَنشودة!.