لفت أستاذ القانون الدولي في ​​باريس​​ وعميد الكلية الأميركية لإدارة الأعمال في باريس فادي فاضل، في رسالة مفتوحة إلى المديرة العامة لـ"​اليونسكو​" أودري أزولاي، تحت عنوان "أنقذوا هوية ​بيروت​"، إلى أنّ "انفجارَي 4 آب 2020 يشكّلان مأساةً جديدةً ضَربت بيروت، الّتي تعاني هي الأُخرى من آلام أُخرى، برغبة البعض في تجريدها من هويّتها وانتزاعها من بيئتها، ووضعها في حضن القوى الإقليميّة الّتي لديها رغبة واحدة فقط: تدميرها من أجل إعادة تشكيلها على صورتها".

وأكّد أنّ "التدمير الكامل ل​مرفأ بيروت​ والعديد من المنازل والمساكن والمحلّات التجاريّة، لا سيّما في أحياء ​الجميزة​ ومار ميخايل المجاورة، هو مأساة تامّة. كانت هذه الأحياء ذات مكانة عالية وعصريّة، حيث يأتي جميع مَن في بيروت للاسترخاء وإقامة الولائم والرقص وتناول الطعام والعيش هناك"، مشيرًا إلى أنّ "هذه الأحياء تسكنها مجموعات من أديان مختلطة، ويسكنها فنّانون ومصمّمون وخيّاطون ورسّامون ومثّقفون وآخرون، متجذّرون في هذه الأحياء مديمين وجودًا عائليًّا عبر عقود من الوجود، يمكثون في منازل موروثة على مرّ السنين، ويقومون بتجديدها وتزيينها للحفاظ على جوهرة العمارة ال​لبنان​يّة هذه ونقلها كتراث ورمز لفن العيش وكرم ضيافة أرض الأرز".

وركّز فاضل على أنّ "بَعد فترة وجيزة من الانفجار، اتّحدت "اليونسكو" على الفور، تحت قيادتكم، مع ​الشعب اللبناني​، وأعلن مساعد المدير العام لـ"اليونسكو" للثقافة إرنستو أوتون أنّ "بعد هذه المأساة لقد أرسل ​المجتمع الدولي​ إشارةً قويّةً لدعم لبنان. تلتزم "اليونسكو" بقيادة جميع التدخلات في مجال الثقافة، الّتي يجب أن تشكّل جزءًا أساسيًّا من جهود إعادة الإعمار والتعافي الأوسع".

وشدّد على أنّ "الوقت ينفد: الشتاء على الأبواب، المحنة كاملة والناس في الشوارع. ​الوضع الاقتصادي​ المأساوي في لبنان يمنع السكان من إجراء الإصلاحات، حيث تقوم البنوك بتجميد أصول المودعين. لقد أخذوا المدّخرات اللبنانيّة رهينةً، وسمحوا لهم فقط بسحب مبلغ صغير سخيف من أموالهم، لا يسمح لهم بتغطية تكاليف الإصلاح". وبيّن أنّ "هناك يترقَّب "نسور العقارات": عدد كبير من رجال أعمال المزعومين، يتجوّلون حول ضحايا الكارثة، الّذي هم بلا مأوى وبدون وسائل، لعرض عليهم إعادة شراء منازلهم بسعر مرتفع، نقدًا وبالعملات الأجنبيّة".

كما أوضح أنّه "يُضاف إلى البؤس والمأساة الإنسانيّة، اللاإنسانيّة المتمثّلة في استقطاب الإنتهازيّين الّذين يَرون في الموت فرصةً لإثراء أنفسهم". وذكر أنّ "تعميمًا صادرًا من وزير المالية المستقيل ​غازي وزني​، يحظر بَيع المباني ذات الطابع التقليدي والتاريخي المدرَجة من قِبل ​المديرية العامة للآثار​ (DGA) دون موافقة مسبقة من وزير الثقافة"، لافتًا إلى أنّ "للأسف، لبنان دولة فاشلة ولا يمكننا الاعتماد على ​الحكومة اللبنانية​ للحفاظ على هذه الكنوز الوطنيّة".

وأشار فاضل إلى "أنّنا نعلم أنّ مهمّة إعادة إعمار بيروت هي تحدّ كبير للأمم المتحدة، الّتي تتولّى الآن تنسيق المساعدات الدوليّة. إعادة بناء المنزل هي الأولويّة، ونتوقّع الكثير من الدعم والشفافيّة". وتوجّه إلى أزولاي قائلًا: "لقد اخترتم وضع أولويّة "إعادة بناء ​الموصل​" كرمز لولايتكم، كدليل على التزامكم بوضع هذه المدينة العراقيّة على قدميها. عندما كانت الوسائل غير متوّفرة، شهدت جديّة هذه المنظمة المتخصّصة التابعة للأمم المتحدة وصرامة إدارتكم تدفقًا للتمويل، لا سيّما من ​دول الخليج​ و​الإمارات​".

وأكّد أنّ "اليوم، تواجه "اليونسكو" مسؤوليّة تاريخيّة، وتتمثّل مصداقيّتها في المشاركة: بيروت بحاجة إليكم، وبيروت تنتظركم"، مركّزًا على أنّ "الجشعين من كلّ الأنواع الّتي ذكرتها تتربّص، وهويّة وتاريخ وجغرافيّة بيروت ولبنان في خطر"، موضحًا أنّ "هناك رغبة في ترميم هذه الأحياء بالطبع، ولكن أيضًا في تعديل سكّانها وتثبيت مجتمعات أخرى، على حساب المسيحيّين، لتثبيت هامش طائفي جديد بالقرب من الميناء، لإطلاق العنان للأعمال التجاريّة بعيدًا عن أنظار السلطات".

وخاطب أزولاي قائلًا: "لديك موعد مع التاريخ. نحن الأكاديميّين والمثقّفين وكبار المسؤولين التنفيذيّين من أصل لبناني، على استعداد لدعمك في مهمّتك. بيّني لنا الطريق".