كان النظام الصحي في لبنان، قبل بيروتشيما والأزمة الاقتصادية، معترفاً به دائماً لمستواه العلمي العالي. وعلى رغم قلة عدد السكان، وبالتالي قلّة مساهمة البيانات، كان لقادة الرأي العلمي اللبنانيين تأثير كبير على التقييم العلمي لإدارة الأمراض، وبروتوكولات التشخيص والعلاج. وهذا له تأثير كبير على المستوى العلمي، ولكن أيضاً على السياحة العلاجية حيث يظل الأطباء والمؤسسات الصحية اللبنانية قطاع ثقة للمرضى.

هذا رصيد كبير سيبقى دائماً غير قابل للمَس، وقيم فكرية مضافة كبيرة لاختصاصيي الرعاية الصحية اللبنانيين.

على مستوى النظام العام، يهيمن القطاع الخاص على غالبية النظام الصحي (> 85 ٪ من الخدمات). كما كان للمنظمات الصحية غير الحكومية الرئيسية تأثير كبير، وخلال العقدين الماضيين أيضاً كان للقطاع العام (وزارة الصحة) دور متزايد في المستشفيات والرعاية الصحية الأولية ورعاية الحالات اليومية.

ومع انه يُعتبر بلداً نظيفاً نسبياً من الأمراض المعدية الرئيسية، فإنّ زيادة الجوانب الوقائية في الاكتشاف المبكر لبعض الأمراض غير المعدية والصحة العقلية أمر مشجع للغاية، ومرحّب به ومطلوب. هناك بعض الحملات الخجولة، ولكن لا يزال هناك كثير من الحملات الأخرى، خاصة بعد Covid19، التي فرضت المرض المعدي مرة أخرى على أولوية كل البلدان.

إنّ وجود مستوى جيداً نسبياً من الوعي والرعاية الصحية للسكان اللبنانيين يجعل السجل القليل المتاح دقيقاً نسبياً من حيث انعكاس السكان، ومع ذلك هناك حاجة ماسة إلى موارد للعديد من السجلات المنهجية بطريقة مستدامة من أجل جذب المزيد من البحث العلمي (خصوصاً مع المستوى العلمي العالي للباحثين ووجود العديد من البنى التحتية للمستشفيات الجيدة).

هناك تغطية جيدة للخدمات، وتتوفر خدمات عالية الجودة في المدن الكبرى. بينما لا تزال بعض المناطق الريفية محرومة، مع انه يوجد في البلاد فائض من الأطباء والصيادلة ونقص في الممرضات والقابلات.

على المستوى الاقتصادي / التأمين الصحي، تغطي وزارة الصحة المواطنين الأقل مستوى من الناحية المادية والذين يعانون أمراضاً خطيرة (خاصة السرطان وجراحة القلب والأوعية الدموية الكبرى...). يغطي الضمان الاجتماعي الوطني الموظفين جزئياً، ويميل معظم القطاع الخاص إلى الحصول على تأمين خاص. منذ عام 2011، أدى وصول ما يقرب من مليوني لاجئ سوري (إشارة إلى أنّ عدد سكان لبنان يبلغ 4 ملايين لبناني مقيم في لبنان)، إلى إجهاد النظام الصحي بشكل كبير. تبذل الحكومة والشركاء في المجال الإنساني جهوداً من أجل ضمان الوصول إلى الرعاية الصحية للاجئين.

مع وجود اللاجئين السوريين والأزمة الاقتصادية، تليها جائحة كوفيد 19 وبيروتشيما في 4 آب 2020، ومع كل الاعتراف العميق بدعم المجتمع الدولي، فإنّ النظام الصحي يتّجه إلى أقصى الحدود، سواء في بنيته التحتية أو مكوناته الاقتصادية. تقف الأولوية اليوم على تعزيز النظم الصحية بمواردها المادية والبشرية، من حيث المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية، ولكن أيضاً مع أولوية التأمين من خلال تطبيق نظام التغطية الصحية الشاملة لجميع المقيمين. من خلال وضع الاستعداد والموارد، يبدو هذا ممكناً بفضل المستويات العلمية الجيدة والجودة المركّزة لمتخصصي الرعاية الصحية في لبنان.

التغطية الصحية الشاملة

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، تطور نظام الرعاية الصحية الفرنسي كمشروع اجتماعي مدفوع بمبدأين كبيرين: الشمولية والمساواة. أتاح تمديد تغطية التأمين الصحي على مدى 7 عقود ضمان وصول الجميع إلى الحد الأدنى من الرعاية الصحية. يقوم نظام التأمين الصحي على فلسفة إعادة التوزيع، والتي تهدف إلى مطابقة المساهمات المالية للأسَر مع قدرتها على الدفع وضمان حصول الأفراد ذوي الدخل المنخفض على تغطية جيدة. النموذج الاجتماعي للصحة هو سِمة من سمات التجربة الفرنسية، وهدفها هو تعزيز العدالة والتضامن مع ضمان رعاية صحية عالية الجودة. ويعتمد النموذج الفرنسي، كما يطلق عليه غالباً، على نظام وطني للتأمين الصحي يتم تمويله من المساهمات الاجتماعية للموظفين وأصحاب العمل، وتشترك في إدارته منظمات العمال وأصحاب العمل تحت إشراف الدولة. يعمل نظام الرعاية الصحية الفرنسي على تعزيز الشمولية منذ حوالى 65 عاماً حتى الآن، وقد قدم أدلة على المستوى الدولي لعدة فصول في جودة الرعاية الصحية، وخاصة سلامة المرضى، والتي هي في صميم أولويات كل دولة. لقد ألهَم هذا النموذج الإصلاحات الوطنية في البلدان النامية، ومصر هي الأحدث والأقرب إلى لبنان.

الريادة المصرية منذ عامين

بدأ الإصلاح الصحي في مصر في عام 2018، وسيستغرق تنفيذه حوالى 10 سنوات نظراً لكبر البلاد، ومع ذلك فقد بدأت بالفعل عدة محافظات، وبدأت من بورسعيد منذ العام الماضي. نحن كغرفة التجارة والصناعة الفرنسية في مصر ساهمنا وأطلقنا في 9 حزيران 2019 تجسير المعرفة عن كثب مع المعنيين المصريين ومنظمة الصحة العالمية. منذ صدور المرسوم الرئاسي في تشرين الأول 2018، تنضمّ سلطات الرعاية الصحية والمهنيون ومقدّمو الرعاية الصحية بنشاط من أجل نقل مصر إلى أعلى مستوى من اعتماد نظام الجودة والاعتماد، ويتم اتخاذ خطوات عملاقة كل شهر.

تحديات لبنان وفرصه

عندما نقول التغطية الصحية الشاملة، نحتاج إلى التأكيد على تنفيذ العديد من المكونات للاستشهاد بشكل أساسي بما يلي: حوكمة النظم الصحية وصنع السياسات المستندة إلى الأدلة، تحسين منظومة مراكز الرعاية الصحية الأولية والمستشفيات واعتمادها (كمرحلة اولى على أن تليها منظومات اعتماد كامل قطاعات الاختصاصات الصحية)، الاحتفاظ بالموارد البشرية وبناء القدرات (لا سيما مع ما يترتب على الأزمة الاقتصادية)، تحسين جودة الرعاية من أجل تجانسها نسبيا على المستوى الوطني، تجميع البيانات / مراقبة البيانات / تحسين استخراج البيانات، التمويل الصحي وتقييم التكنولوجيا الصحية، مكننة كامل أنظمة وزارة الصحة ونقاط الاتصال الإقليمية التابعة لها، تحسين وتطوير نظام المعلومات الصحية والسجلات الطبية الإلكترونية، والبطاقة الصحية الرقمية الوطنية لمركزية بيانات المرضى وتتبع إدارة الحالات.

المعادلة الختامية

انّ احترافية لبنانيي القطاع الصحي + خبرة فرنسية ناجحة لمدة 65 عاماً في مثل هذا النظام + تأثير فرنسا في لبنان + مساهمة قطاع العمل اللبناني + الاغتراب اللبناني الذي يسعى للحصول على إرشادات شفافة جيدة لدعم لبنان + المنظمات غير الحكومية الصحية اللبنانية الفعالة والتأمين الصحي + الارشاد من الزملاء المصريين في تجربتهم المصممة السريعة = كوكتيل مثالي لجعل لبنان يستفيد من تطبيق التغطية الصحية الشاملة في غضون 3 سنوات بحد أقصى، إذا تم وضع القوانين والنوايا النشطة الصادقة...