بإستثناء ​القطاع العام​ و​الأسلاك العسكرية​ والأمنية التي لا تزال صامدة على رغم الوضع ال​لبنان​ي ​المال​ي والنقدي الحرج للخزينة، لم يعد هناك من وظيفة في لبنان يمكن لصاحبها أن يتباهى على أصدقائه بالقول، "أنا في فوق راسي خيمة وما ممكن أخسر معاشي وشغلي". عشرات لا بل مئات الشركات والمؤسسات الخاصة أقفلت أبوابها بسبب ​الأزمة​ ​الإقتصاد​ية وإرتفاع سعر صرف ​الدولار​، ما أدى الى زيادة العاطلين عن العمل بمئات الآلاف.

آخر من دفع ثمن هذه الأزمة هم المتعاقدون مع برنامج عمل ​الأمم المتحدة​ UNDP لصالح الوزارات والمؤسسات اللبنانية وعددهم لا يصل الى 150 متعاقداً من الشهادات العليا، أي الماستر وما فوق، ورواتبهم تتراوح شهرياً بين 3000 و10000 دولار شهرياً.

فعلى رغم موافقة ​مجلس الوزراء​ في نيسان الفائت على تمديد مشروع تحديث القطاع العام الموقع مع ​برنامج الأمم المتحدة الإنمائي​ UNDP الى نهاية العام 2020، راسل وزير المال ​غازي وزني​ مسؤولة برنامج UNDP في لبنان سيلين مويرو بهدف إبلاغها بأن ​الحكومة اللبنانية​ لم تعد قادرة على دفع رواتب المتعاقدين مع وزارات التنمية الإدارية و​البيئة​ والتربية والإقتصاد والمال ومؤسسة ​إيدال​، وعددهم حوالى 150 متعاقداً، بالدولار ، وان الدفع سيتم ب​الليرة اللبنانية​ على أساس سعر الصرف الرسمي أي 1515 ليرة. وزني سرعان ما تلقى جواباً سلبياً مفاده أن الأخيرة ستنهي العقود مع المتعاقدين بدءا من 15 أيلول.

وفي 19 آب الفائت، أبلغت مويرو خلال إجتماع عبر تطبيق zoom المتعاقدين مع ​وزارة​ التنمية الإدارية الذين تنتهي عقودهم في منتصف أيلول بأنها لن تجدد العقود معهم بعد إنتهائها في أيلول وذلك بسبب قرار وزير المال، على أن يسري لاحقاً الأمر على متعاقدي الوزارات الأخرى عندما تنتهي عقودهم بين منتصف تشرين الأول ونهاية العام الجاري.

من جهتهم يعتبر المتعاقدون أن الحكومة تسرّعت بقرارها، وأن إنهاء عقودهم ستكون له إنعكاسات سلبية على الإدارات العامة أبرزها شلل كلي لوزارة التنمية الإدارية كون العدد الأكبر منهم متعاقد معها (حوالي 41) وتوقّف أكثر من 90 موقعاً الكترونياً عن العمل داخل الإدارات العامة، هذا بالإضافة الى توقّف عمل أنظمة المكننة في المحاكم، ومن دون أن ننسى خسارة الهبات المقدمة كمشاريع وقيمتها تصل الى 70 مليون دولار.

هم من أصحاب ​الكفاءات​ نعم وهم منتجون نعم، الإدارة بأمس الحاجة اليهم أيضاً وأيضاً نعم، لكن الخزينة لم تعد قادرة على الدفع بالدولار، وكيف تدفع هذه الرواتب المرتفعة بالعملة الخضراء بعدما أصبحت قيمة الراتب الواحد منها توازي أضعاف أضعاف راتب المدير في القطاع العام؟ في نهاية المطاف ستدور مفاوضات مع المتعاقدين، وفي التفاوض كل شيء وارد، حتى قبولهم بتقاضي رواتبهم بالليرة على اساس سعر الصرف الرسمي، كل ذلك للحد من خسارتهم وكي لا ينضموا الى قافلة العاطلين عن العمل في بلد باتت فرص العمل فيه معدومة.