توجه ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​، في رسالة عبر الفيديو إلى ​الجمعية العامة للأمم المتحدة​، بمناسبة افتتاح دورتها الـ75، بـ"الشكر لمعالي السيد تيجاني محمد باندي على جهوده في إدارة أعمال الجمعية العامة خلال ​الدورة​ المنصرمة، بالأخص في ظل اضطراب عمل المنظمة نتيجة تفشي جائحة كوفيد-19"، موضحاً انه "أهنئكم حضرة رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، معالي السيد فولكان بوزكير، على توليكم رئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاريخية الخامسة والسبعين، وكنت أتمنى أن تكون التهنئة مباشرة وليس عبر تقنية الفيديو التي فرضها الوضع الصحي ​العالم​ي الحالي، وأتقدّم بالشكر باسمي وباسم الشعب ال​لبنان​ي لكل السادة رؤساء الدول الذين شاركوا ب​مؤتمر​ ​بيروت​ وقدموا الدعم، كما لجميع الدول الشقيقة والصديقة والمنظمات الحكومية وغير الحكومية التي سارعت لتقديم المعونة والمساعدات، وأحيي سعادة الأمين العام أنطونيو غوتيريش على جهوده المتواصلة على رأس المنظمة الدولية، وأيضاً على مساعيه من أجل لبنان بعد ​انفجار مرفأ بيروت​، وبخاصة تنظيم مؤتمر دعم بيروت لحشد تعهدات المانحين وتوفير المساعدات الإغاثية الأساسية، بمبادرة مشكورة من الرئيس الفرنسي الصديق ​إيمانويل ماكرون​".

وشدد عون على انه "كان لمساعدتكم وقع إيجابي كبير على بلدنا وشعبنا، أكان على المستوى العملي عبر تأمينكم الكثير من الاحتياجات الطارئة طبيا وغذائيا ومواد إعادة ​البناء​، أم على المستوى المعنوي عبر تضامنكم الكبير الذي شعر معه شعبنا أنه ليس وحيدا بل له في هذا العالم إخوة في الانسانية لم يترددوا في دعمه، وبيروت اليوم أيها السيدات والسادة تحاول النهوض من بين ركامها، وهي، بتضامن كل اللبنانيين وبدعمكم، ستلملم جراحها وتنهض كما سبق ونهضت مراراً عبر التاريخ، و الانفجار- الزلزال الذي ضرب عاصمتنا حفر عميقاً في الوجدان اللبناني، فصوَر الضحايا وآلام الجرحى ودموع من فقد عزيزاً لن تمحى أبداً".

وبيّن عون ان "أضرار الانفجار المادية غير مسبوقة، فناهيك عن أن مرفأ بيروت، المعبر الحيوي للنشاط الاقتصادي في لبنان، شبه مدمر، هناك ما يقارب 200 ألف وحدة سكنية متضررة ومنها ما أصبح غير صالح للسكن، ونحو 300 ألف شخص بلا مأوى. يضاف إلى ذلك الخراب الكبير في البنى التحتية وشبكة الكهرباء وشبكات المياه، والتداعيات لن تطاول فقط النشاط الاقتصادي، بل سترفع معدلات الفقر التي كانت 45% قبيل الانفجار وفق تقييم البنك الدولي، والذي قدر الخسارة الاقتصادية المتأتية عن الانفجار بحوالي 3.5 مليار دولار والأضرار المادية بحوالي 4.5 مليار دولار واحتياجات اعادة الاعمار الطارئة بحوالي ملياري دولار"، موضحاً ان "بيروت أُعلنت مدينة منكوبة وتولى الجيش إدارة الإغاثة بالتعاون مع سائر الأجهزة والصليب الأحمر وجمعيات غير حكومية مرخصة ومتطوعين؛ فأجرى عمليات المسح لتحديد الأضرار وتقييم الاحتياجات، وتسلم المساعدات المحلية والدولية وتولى توزيعها، وكان الحرص على اعتماد أقصى معايير النزاهة والشفافية، وهناك حاجة كبيرة الى دعم المجتمع الدولي لإعادة إعمار الأحياء والمرافق المدمرة كلياً، ولعل الحل الأسلم هو تقسيم المنطقة المدمرة الى بقع جغرافية تلتزم كل دولة تود المساعدة بقعة محددة وتتولى إعادة اعمارها مباشرةً، والمرحلة التالية هي لإعادة الإعمار، وتتولى غرفة الطوارئ المتقدّمة السهر على ترميم الوحدات السكنية والتجارية المتضررة جزئياً، ولكن المشكلة الكبرى هي في الأحياء والمرافق المدمرة كلياً، وفي مسار التحقيق، كل لبنان يريد معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة، وقد أحلنا ملف الانفجار الى المجلس العدلي وهو أعلى هيئة قضائية جنائية في لبنان، وجرى تعيين محقق عدلي وهو يقوم بتحقيقاته وإجراءاته، وفور حصول الانفجار طلبنا المساعدة التقنية الدولية في التحقيق لقدرة بعض الدول على تزويدنا بصور الأقمار الاصطناعية لحظة وقوع الانفجار ومعرفة مسار وقصة الباخرة المحملة بنيترات الأمونيوم منذ انطلاقها حتى وصولها الى مرفأ بيروت، وتحليل التربة والمواد وكل ما من شأنه أن يظهر ماذا حصل، وبالفعل جاءت فرق من عدة دول، وقامت بالأبحاث اللازمة ولم نزل بانتظار معلوماتها عن لغز الباخرة كما عن صور الاقمار الصناعية لجلاء الغموض في هذا الجزء من التحقيق الذي سوف يصب خلاصاته لدى المجلس العدلي في سياق الولاية القضائية السيادية اللبنانية".

واوضح عون ان "لبنان في خضم أزمة غير مسبوقة، تراكمات انفجرت دفعة واحدة، ركود قاسٍ بسبب الوضع الاقتصادي والمالي أضيفت اليه أزمة الكوفيد 19 وتداعياتها، وأخيراً كارثة انفجار مرفأ بيروت لتضربه في القلب، إنسانياً واقتصادياً ما جعل الوضع مأزوماً الى حد كبير، ويضاف الى كل ذلك أزمة النزوح السوري المستمرة منذ عشر سنوات؛ فعلى الرغم من أن لبنان ليس بلد لجوء نهائي ودستوره لا يقبل التوطين، إلاّ أنه قد تعامل مع أزمة النزوح من مبدأ الواجب الإنساني واحتراماً للقانون الدولي وخاصةً مبدأ عدم الإعادة القسرية، ولكنه اليوم وفي خضم أزماته المتلاحقة، وبعد أن أصبح عدد النازحين يوازي ثلث سكانه، وبعد أن فاقم النزوح المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والصحية والانسانية للمجتمع المضيف، فإن لبنان يطالب بتكثيف الجهود للعودة الآمنة والكريمة وعدم ربطها بالحل السياسي في سوريا خصوصاً بعد أن أصبحت آمنة بمعظمها، ومساعدة الحكومة اللبنانية في تطبيق الخطة التي أقرتها لعودة النازحين السوريين، خصوصاً وأن الظروف أصبحت مؤاتية أكثر فأكثر للعودة"، مبيناً انه "الى حين تحقق العودة المرجوة، وتأكيداً على مبدأ المسؤولية المشتركة وتقاسم الأعباء بين الدول يجدد لبنان دعوته الدول المانحة للوفاء بالتزاماتها وضرورة إيجاد آلية لمتابعة تنفيذ هذه الإلتزامات لا بل مضاعفة مساهماتها المالية، وتقديم المساعدات المباشرة للمؤسسات الحكومية وللمجتمعات اللبنانية المضيفة، وذلك تجاوباً مع خطة الاستجابة التي أعدَّها لبنان بالتعاون مع الأمم المتحدة، وقد التزم لبنان أمام المجتمع الدولي القيام بحزمة إصلاحات إدارية ومالية واقتصادية تهدف الى تسهيل عملية النهوض التي نتطلع اليها جميعاً".

وأكد عون ان "لبنان إذ يرحب بقرار تمديد ولاية اليونيفيل ويقرأ فيه رسالة دعم قوية وجامعة من مجلس الامن لحفظ الاستقرار فيه، يحيّ تضحيات اليونيفيل، ويعطي الأولوية للحفاظ على أمن عناصرها وتأمين حمايتها مقدّراً التعاون الوثيق والمستمر القائم بينها وبين الجيش اللبناني، وفي السياق يجدد لبنان التزامه تنفيذ القرار 1701 بكافة مندرجاته، إيماناً منه أن ذلك سوف يثبت قواعد الإستقرار والأمن في الجنوب اللبناني مما ينعكس استقراراً في كل المنطقة، وأي خرق له يزيد الأوضاع تعقيداً. وعليه، يكرر لبنان مطالبته المجتمع الدولي إلزام إسرائيل القيام بموجباتها الكاملة في هذا المجال ووقف خروقاتها للسيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً، ووقف استباحة أجوائه واستعمالها لضرب الأراضي السورية، وحثها على التعاون الكامل مع اليونيفيل لترسيم ما تبقى من الخط الأزرق والانسحاب الفوري من شمال الغجر، ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ويؤكد لبنان أيضاً تمسكه التام بحقه الكامل في مياهه وثراوته الطبيعية من نفط وغاز، وبكامل حدوده البحرية بحسب القانون الدولي ويتطلع إلى دور الأمم المتحدة والدول الصديقة لتثبيت حقوقه، وتحديداً وساطة الولايات المتحدة الأميركية لإجراء المفاوضات اللازمة لترسيم الحدود البحرية بشكل نهائي بحسب القانون الدولي وبما يحفظ سيادة لبنان وحقوقه في ثرواته، فاليوم، ومع مرور 75 عاماً على إنشاء منظمة الأمم المتحدة، ومع الحديث المتزايد عن الحلول في منطقة الشرق الأوسط، نعيد التأكيد على التمسك بالمبادئ التي قامت عليها المنظمة وأهمها حرمة الحدود الدولية المعترف بها، والتشديد على أن أي مفاوضات ومهما كانت صيغتها أو الجهة التي تقوم بها، يجب أن تتطرق إلى الحلول المستدامة التي ترعاها المرجعيات المعنية لا سيما قرارات الأمم المتحدة ومنها القرار 194 الذي يضمن حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة. كما نذكّر في هذا الإطار بمبادرة بيروت للسلام للعام 2002، وإننا، وفي المئوية الأولى لإعلان "لبنان الكبير"، لا يسعنا سوى التأكيد بأن ​الشعب اللبناني​ بكل أطيافه، يتمسك بالحفاظ على لبنان كبيراً، موحداً، من دون أي تقسيم أو تجزئة".

ولفت الى انها "هي المرة الأولى في تاريخ الأمم المتحدة ينعقد فيها اجتماع الجمعية العامة افتراضيا؛ فيروس لا يُرى منعنا من اللقاء الحقيقي وأجبرنا على التخاطب عبر تقنية الفيديو، ومما لا شك فيه أن العالم ما بعد كوفيد 19 لن يكون كما قبله، ونأمل يكون عالماً أكثر انسانية بعدما وحدّه العجز أمام فقدان الأحبة و... فقدان الأوكسجين، ولعل التعاطف الكبير الذي لمسه لبنان وشعبه بعد الكارثة التي ضربت بيروت، ومسارعة دول العالم وشعوبه الى التضامن ومد يد العون هو اشارة الى أن عالمنا قذ أخذ العبرة من معاناته، والانسانية عادت لتأخذ بعض مكانها في عالم المادة وحق القوة واللاعدالة، فهي إشارة مشجعة للمستقبل الذي نصبو إليه، للأمم المتحدة التي نحتاجها، والتي أرادت لاجتماعنا هذا العام أن يكون تحت عنوان: إعادة تأكيد التزامنا الجماعي بالعمل المتعدد الجهات والذي يمكن اختصاره بعبارة واحدة: التضامن لأجل الخير".