كثر الحديث في المرحلة الأخيرة عن عودة "الخلايا ​الإرهاب​يّة" المَوجودة في ​لبنان​ إلى العمل بنشاط، الأمر الذي أثار القلق لدى الكثير من اللبنانيّين. فهل هناك فعلاً ما يدعو إلى القلق، أيّ بمعنى آخر، هل لبنان مَكشوف أمام النشاط الإرهابي؟.

بداية لا بُدّ من التذكير أنّ السُلطات الأمنيّة الرسميّة إعتمدت خلال السنوات القليلة الماضية، ما يُسمّى "الأمن الوقائي والإستباقي"، في مُواجهتها "الخلايا الإرهابيّة"، وهي نجحت في كشف أكثر من خليّة، وإفشال أكثر من مُخطّط، من خلال العمل الإستخباري الفعّال، ومن خلال المُداهمات المُباغتة والإعتقالات الإستباقيّة. وبعد وُقوع جريمة ​كفتون​، تمكّنت السُلطات اللبنانيّة من كشف خُيوط الجريمة، ومن تحديد المُتورّطين فيها، وقامت بكلّ ما يلزم للقبض عليهم، وهو ما نجحت فيه عبر سلسلة من المُداهمات والمُواجهات الدامية، والتي كان آخرها ما حدث في ​وادي خالد​. وفي الأسابيع والأشهر القليلة الماضية، أوقفت أجهزة أمن الدَولة وشعبة المَعلومات وجهاز مُخابرات ​الجيش​ و​الأمن العام​، عناصر إرهابيّة، أحدها كان يُخطّط لإستهداف القوى الأمنيّة في ​بيروت​ مُتلطّيًا بعمله في رفع الأنقاض في المواقع المُتضرّرة من إنفجار ​المرفأ​.

وبالتالي، يُمكن القول إنّ النشاط الإرهابي في لبنان لا يزال مَوجودًا، وهو يشمل عناصر إرهابيّة تتحرّك بشكل فردي وعشوائي، وكذلك خلايا إرهابيّة صغيرة تعمل بشكل مُنظّم وأكثرإحترافيّة وخُطورة بطبيعة الحال. ولا يُمكن ​القضاء​ كليًا على الوُجود الإرهابي، على الرغم من الجُهود الجبّارة التي تقوم بها القوى الأمنيّة، وعلى الرغم من ضريبة الدمّ المُرتفعة التي تدفعها العناصر الميدانيّة لهذه القوى خلال مُواجهتها للإرهابيّين. والأسباب مُتعدّدة، وأبرزها:

أوّلاً: صحيح أنّ الخلايا الإرهابيّة تضمّ عناصر لبنانيّة، لكنّ الأصحّ أنّها تشمل أيضًا عناصر فلسطينيّة وسُوريّة وغيرها. ومن المَعروف أن لا سُلطة للدولة اللبنانيّة على المُخيّمات الفلسطينيّة، وأنّ حجم وُجود ​النازحين​ السُوريّين في لبنان كبير وواسع جدًا، وهو يتوزّع على مُخيّمات عشوائيّة وعلى بلدات كثيفة السُكان وأخرى نائيّة، الأمر الذي يُصعّب مهمّة الرصد والمُداهمة المُسبقة.

ثانيًا: إنّ إستمرار المشاكل السياسيّة ذات الخلفيّات الطائفيّة والمَذهبيّة، في لبنان وفي منطقة ​الشرق الأوسط​ ككلّ، يُسهّل على بعض الشُيوخ المُتشدّدين، وعلى بعض الجمَاعات المُتطرّفة، تجنيد عناصر جديدة عبر التغرير بهم، وعبر إعتماد أنواع مُختلفة من غسل الأدمغة-إذا جاز التعبير.

ثالثًا: إنّ الحرب السُوريّة كانت سببًا في دُخول العديد من أجهزة الإستخبارات العربيّة والدَوليّة إلى ​سوريا​ التي تتداخل حُدوديًا مع لبنان، الأمر الذي تسبّب بزيادة العمل الإستخباري المُوجّه، لجهة تمويل جماعات مُتطرّفة، وتحريك "خلايا نائمة"، والعمل على تنفيذ أجندات تخدم مصالح غير لبنانيّة.

رابعًا: إنّ بعض العناصر الإرهابيّة تتسلّل إلى لبنان، عبر الحُدود السُوريّة لا سيّما الشماليّة منها، لأسباب مُختلفة، يتردّد أنّها مُرتبطة بالمساحة الواسعة التي يصعب ضبطها من قبل الجيش السُوري، وبفساد بعض القوى الأمنيّة السُوريّة الحدوديّة وتعاملها مع المُهرّبين في مُقابل خُوّات ماليّة، وحتى عن غضّ طرف مُتعمّد من فرق "الهجّانة" في بعض الأحيان، باعتبار أنّ النظام السُوري إستخدم ورقة الإرهابيّين المُتشدّدين بنجاح طوال الحرب السُوريّة، لتأليب الرأي العام وإستجرار الدعم الغربي حينًا، ولتخويف ​العالم​ الغربي ومُبادلة ورقة الإرهابيّين بمطالب مُحدّدة حينًا آخر!.

خامسًا: إنّ الوضع الإقتصادي المُتدهور في لبنان، والصُعوبات المَعيشيّة والحياتيّة الخانقة التي تعيشها شرائح واسعة من المُجتمع اللبناني، دفعت البعض إلى سُلوك وسائل مُنحرفة لتأمين الأموال، إن عبر الإنخراط في عصابات مُسلّحة، أو حتى عبر إستسهال العمل المُسلّح مع الخلايا الإرهابيّة، خاصة وأنّ ارضيّة التحريض جاهزة بسبب حال ​الفقر​ والبؤس التي يعيشها الكثيرون.

سادسًا: إنّ العديد من الأشخاص المُتهمين بالضلوع بأعمال إرهابيّة–ولوّ بنسب مُتفاوتة، عادوا إلى التورّط في أنشطة إرهابيّة بشكل أو بآخر، وذلك بمُجرّد خروجهم من ​السجن​، وهو ما ثبت خلال المُداهمات والعمليّات الأمنيّة التي نفّذتها السُلطات اللبنانيّة المعنيّة خلال الأيّام والأسابيع القليلة الماضية.

في الخلاصة، الأكيد أنّ لبنان أفضل من كثير من الدول على صعيد مُكافحة الإرهاب، خاصة وأنّه لا يُوجد أرضيّة خصبة لإحتضان الإرهابيّين من قبل المُجتمع اللبناني، مع وجود بعض الثغرات المُتفرّقةهنا أو هناك. وبالتالي، على الرغم من عدم إمكان إزالة الخطر الإرهابي بشكل كامل وتام، فإنّ الأجهزة الأمنيّة بالمرصاد للخلايا الإرهابيّة، أكانت ناشطة حاليًا أم نائمة. والمَطلوب عدم التراخي في هذا المجال، والحفاظ على أعلى جُهوزيّة مُمكنة لدرء المخاطر، مع التقدير الكبير لتضحيات القوى الأمنيّة لضرب وإعتقال الإرهابيّين. والمَطلوب أيضًا عدم التسرّع في منح الحريّة لأيّ أشخاص مُتهمين بالإرهاب، من خلال أي عُفو، لأنّ الأمثلة السابقة أظهرت عودة الكثير من هؤلاء إلى العمل الإرهابي، فور أن تسنح لهم الفرصة بذلك بعد خروجهم من السجن!.