بعد إعتذار رئيس الحُكومة المُكلّف مُصطفى أديب، تبادلت القوى السياسيّة الإتهامات بإجهاض المُبادرة الفرنسيّة، حيث تحدّث فريق "​حزب الله​" عن مُحاولة فاشلة لإعادة عقارب ​الساعة​ إلى الوراء، عبر تشكيل حُكومة من فريق سياسي داخلي واحد، شبيهة بُأولى حُكومات قوى "​14 آذار​" السابقة، بينما تحدّث فريق "رؤساء الحُكومات السابقين" عن أنّ الحُكومة التي كان يُعمَل على تشكيلها، كانت خالية من الصبغة السياسيّة وكانت ستُوكل بمهمّة إنقاذيّة إقتصاديّة بحت، مُتهمًا "​الثنائي الشيعي​" بالعمل على فرض مشيئته بالقُوّة على مُختلف الأطراف، لجهة الإصرار على تشكيل حُكومة شبيهة بحُكومات المُحاصصة السياسيّة والطائفيّة التي حكمت ​لبنان​ خلال السنوات الماضية، وإلا الإبقاء على حال الفراغ المُدمّر! وأمام هذا المأزق، هل من أمل بالخروج من حال الدوران في الحلقة المُفرغة؟.

الأكيد أنّ الأمور في الملفّ الحُكومي عادت إلى ما دون نقطة الصفر، حيث أنّه حتى مسألة الدعوة إلى إجراء الإستشارات النيابيّة لتحديد هويّة رئيس الحُكومة المُكلّف المُقبل، هي بحُكم المُؤجّلة في المرحلة الراهنة، في إنتظار ظُهور بصيص أمل ما، علمًا أنّ إتصالات عدّة تجري حاليًا بعيدًا عن الأضواء، في مُحاولة لكسر الجُمود القائم. ولا شكّ أنّ المُبادرة الفرنسيّة مُستمرّة نظريًا، لكن لا ترجمة عمليّة لهذا الأمر بعد التطوّرات التي حصلت، في ظلّ حديث مُتزايد عن أنّ أكثر من طرف ينتظرون ما ستفضي إليه نتيجة الإنتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، لما لهذه المسألة من تأثير كبير على العديد من الملفّات في ​العالم​. وبحسب أصحاب هذه النظريّة، إنّ فوز الرئيس الأميركي الحالي ​دونالد ترامب​، بولاية ثانية، يعني عمليًا إستمرار الواقع القائم حاليًا، لمزيد من الوقت، بينما من شأن فوز المُرشّح المُنافس ​جو بايدن​ بمنصب الرئاسة، أن يُعيد خلط الأوراق في منطقة ​الشرق الأوسط​، بفعل التغيير المُرتقب للسياسة الأميركيّة إزاء الملفّات الساخنة.

لكن في المُقابل، تُوجد آراء مُناقضة تمامًا لهذا الرأي، حيث يعتبر أكثر من مُحلّل غربي، أنّ فوز ترامب مُجدًدًا سيُؤدّي إلى إطلاق مُفاوضات مع ​إيران​ ومع غيرها، لأنّ لا ​واشنطن​ ولا ​طهران​ تريد إستمرار الصراع الدائر بينهما لأربع سنوات إضافيّة على الأقلّ. وبالتالي، فإنّ فوز ترامب سيليه إعادة تحريك للملفّات الساخنة في الشرق الأوسط، في مُحاولة لإيجاد تسويات مُعيّنة وفق موازين القوى القائمة، بينما فوز بايدن سيقود إلى فترة جُمود حتميّة لكلّ الملفّات، في إنتظار تبلور ملامح إدارته ​الجديدة​ وإستلامها الحُكم فعليًا، مع العلم أنّ السياسات الأميركيّة الكُبرى والإستراتيجيّة لا تتغيّر بتبدّل هويّة الرئيس، بل ما يتغيّر هو أسلوب التعامل فقط لا غير، مع إستثناءات قليلة جدًا، كان أبرزها فترة حكم الرئيس السابق ​باراك أوباما​ الذي يُتهم بأنه أضعف النُفوذ الأميركي عالميًا خلال فترة حكمه.

بمُطلق الأحوال، وفي ظلّ عدم وُضوح الصُورة الخارجيّة، والأميركيّة تحديدًا، فإنّ الأمور داخليًا ليست واضحة المعالم بدورها. وفي هذا السياق، لا تبدّل يُذكر في المَواقف الداخليّة التي حالت حتى اليوم دون التوافق على صيغة حُكوميّة إنقاذيّة، حيث يُصرّ "الثنائي الشيعي" على أن يُحدّد أسماء وزرائه وحقائبهم، ما يَعني عمليًا فتح الباب أمام باقي القوى للقيام بالمثل، وهو ما يرفضه "تيّار المُستقبل" منذ ما قبل تشكيل حُكومة حسّان دياب المُستقيلة حتى اليوم. وإنطلاقًا من هذا الواقع، بدأ البحث عن حُلول، وبرز خلال الأيّام القليلة الماضية تلميح أكثر من طرف سياسي إلى أنّ إقتراح رئيس الحُكومة السابق ​نجيب ميقاتي​ بتشكيل حُكومة عشرينيّة من حيث الشكل، وتكنو سياسيّة من حيث المَضمون، قابل للنقاش، بحيث تتمّ تلبية شروط المُطالبين بحُكومة لا تخلو من الوُجود السياسي عبر تطعيمها بستة وزراء من الطبقة السياسيّة ويُمثّلون المذاهب اللبنانيّة الستة الكُبرى، بالتزامن مع تلبية شُروط المُطالبين بحُكومة غير سياسيّة من خلال ضمّ 14 وزيرًا من الإختصاصيّين والتقنيّين. وحتى الساعة لم تتظهّر كل المواقف الداخليّة من هذا الطرح، ولا مدى جدّيته وحجم التأييد الخارجي له، حيث يَعتبر المُتشائمون من إمكان إحداث أيّ خرق قريبًا، أنّ إنضمام وزراء يُمثّلون "حزب الله" إلى الحُكومة، سيدفع الولايات المُتحدة الأميركيّة إلى مُواصلة ضُغوطها على لبنان، وسيحول أيضًا دون أن تقُدّم السُعوديّة أيّ دعم للحُكومة ولرئيسها، مع ما يعنيه هذا الموقف من تأثير سلبي على العديد من الدول العربيّة والخليجيّة.

في الخُلاصة، المُلاحظ أنّ الضُغوط الأميركيّة مُستمرّة، ويُمكن القول إنّ المُبادرة الفرنسيّة مُرتبطة بشكل أو بآخر بالصراع الأميركي الإيراني، ما يعني إستبعاد أيّ حلحلة داخليّة بمعزل عن التأثير الخارجي. وفي الإنتظار، يبدو أنّ حركة الإتصالات الداخليّة تهدف إلى تعبئة الوقت لا أكثر، على أمل أن لا تطول فترة الإنتظار كثيرًا، وأن يأتي بالتالي "​الضوء​ الأخضر" الخارجي المُسهّل للتشكيل، قريبًا...