على وقع حالة الترنّح التي تمر بها المبادرة الفرنسية تجاه ​لبنان​، برز في الأيام الماضية الحديث عن إحتمال دخول الجانب الروسي على خط ​الأزمة​ المحلية، إنطلاقاً من جولة الإتصالات التي قام بها نائب ​وزير الخارجية​ والمبعوث الخاص للرئيس ​فلاديمير بوتين​ في ​الشرق الأوسط​ و​افريقيا​ ​ميخائيل بوغدانوف​ مع العديد من الشخصيات اللبنانية، من بينها رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ ورئيس "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" ​وليد جنبلاط​ ورئيس "​التيار الوطني الحر​" ​جبران باسيل​ ورئيس الحزب "الديمقراطي اللبناني" ​طلال أرسلان​.

بالتزامن، يتمّ التداول بتحديد موعد لزيارة وزير الخارجية الروسية ​سيرغي لافروف​ إلى ​بيروت​ في 29 تشرين الأول الحالي، ما يدفع إلى السؤال عما يمكن أن تقوم به ​موسكو​ على هذا الصعيد، في ظل إعتمادها الدبوماسيّة الهادئة في مقاربتها الملف اللبناني؟.

تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ ​روسيا​ لم تكن يوماً بعيدة عن الساحة المحلّية، لا سيما منذ قرار دخولها العسكري إلى الساحة السورية، إلا أنها كانت تحرص دائماً على أفضل العلاقات مع مختلف القوى المحلية الفاعلة من دون الإنحيار إلى أي فريق على حساب الآخر، الأمر الذي يدفعها إلى التأكيد مراراً بأنها لا تسعى إلى لعب دور أساسي في لبنان، نظراً إلى أنها تدرك جيداً حقيقة التعقيدات القائمة في هذا البلد.

في السنوات الماضية، بحسب المصادر نفسها، واجهت موسكو عراقيل عدّة في سياق سعيها إلى تعزيز علاقات التعاون مع الجانب اللبناني الرسمي، وتذكر في هذا المجال ب​حالات​ التردد التي كانت لدى السلطات المحلية في التعامل مع مختلف العروض الروسية، لا سيما في الجانب العسكري أو الأمني، ما يدفعها إلى طرح علامات إستفهام حول ما يمكن أن يكون قد تغيّر، في المرحلة الراهنة، للحديث عن إحتمال بروز دور روسي مستجد.

على هذا الصعيد، توضح مصادر أخرى، عبر "النشرة"، أن روسيا لا يمكن أن تبقى بعيدة عن لبنان في ظل تواجدها في ​سوريا​، خصوصاً مع دخول البلد مرحلة الإنهيار المالي والإقتصادي والإجتماعي، الأمر الذي يفتح الباب أمام إحتمال توسع ذلك نحو الواقع الأمني، لا سيّما مع تحرك بعض الخلايا الإرهابيّة النائمة في ​الشمال​، التي تفيد المعلومات بأنّ تلك التي تمّ الكشف عنها مؤخراً لم تكن تسعى إلى القيام بعمليات أمنيّة فقط، بل كانت تستعد لما هو أكبر من ذلك على المستوى العسكري.

ما تقدّم، بحسب ما تؤكّد المصادر نفسها، يعني أنّ موسكو ستكون متضرّرة من أيّ تدهور أمنيّ على الساحة اللبنانية، إنطلاقاً من المعادلة التي كانت ​الدولة السورية​ تتعامل وفقها مع بيروت على مدى سنوات طويلة، أيّ منع تحولها إلى خاصرة رخوة، وبالتالي سيكون على الجانب الروسي العمل على منع حصول ذلك بأي شكل من الأشكال، لا سيما أنه يدرك جيداً أن ذلك يصب في مصلحة القوى الإقليميّة والدوليّة المتضررة من دوره على الساحة السورية.

بين المصلحة الكبرى والقدرة المحدودة في الوقت الراهن، تبرز الإتصالات المتكررة بين الجانبين الروسي والفرنسي حول أكثر من ملف، حيث المصلحة المشتركة بينهما في منع تدهور الأوضاع اللبنانيّة، من دون تجاهل وجود البلدين في تحالف مشترك لشركات التنقيب عن ​النفط​ في البحر اللبناني، الأمر الذي يدفع هذه المصادر إلى الحديث عن أن الدور الروسي في بيروت من المفترض أن يكون مكمّلاً لمساعي ​باريس​، وتشير إلى أن موسكو، من خلال دورها في سوريا، قادرة على التواصل بشكل أفضل مع بعض الأفرقاء اللبنانيين، لا سيما "​حزب الله​".

في المحصلة، تجمع العديد من الأوساط المتابعة على أن موسكو غير قادرة على لعب دور حاسم على الساحة اللبنانية منفردة، لا بل على الأرجح هي لا تريد ذلك، لكن في المقابل لديها مصالحها التي تتطلب الحفاظ على الإستقرار المحلي، الأمر الذي سيدفعها إلى التحرك سريعاً في المرحلة المقبلة.