فتحت زيارة رئيس "المُؤتمر اليهودي العالمي" رجل الأعمال الأميركي دون لاودر ولقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في مقر الرئاسة في رام الله، بالضفة الغربية المُحتلّة، سيلاً من التساؤلات عن توقيتها وأهدافها، وإذا ما كان يحملُ رسائل أميركية أو إسرائيلية!

الساعات الثلاث التي أمضاها لاودر، بلقاء مُنفصل مع الرئيس عباس، جاءت بشكل مُفاجئ، حين هبطت طائرة مروحية أردنية في مقر المقاطعة.

توجّهت الأنظار وسرت الشائعات، بأنّ مُهمتها نقل أمين سر اللجنة التنفيذية لـ"مُنظّمة التحرير الفلسطينية" الدكتور صائب عريقات، للمُعالجة من إصابته بفيروس "كورونا"، بعدما أعلن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عن وضع الإمكانات كافة من أجل تأمين علاج عريقات، الذي ما زال يتلقّاه في منزله بأريحا.

واتضح أنَّ مَنْ أقلّته المروحية، هو رجل الأعمال الأميركي، في زيارة خاصة وشخصية، نظراً إلى علاقة الصداقة مع الرئيس عباس، بعدما كان قد استضافه في الولايات المُتّحدة الأميركية في العام 2017.

تربط لاودر علاقة مُمتازة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وحضر حفل توقيع الاتفاقات بين الكيان الإسرائيلي ودولة الإمارات العربية المُتّحدة ومملكة البحرين برعاية أميركية في واشنطن (15 أيلول /سبتمبر 2020).

لكن تبيّن أنّ لا علم للإدارة الأميركية بهذه الزيارة، ولم تكن سفارة الولايات المُتّحدة في القدس المُحتلة على دراية بها، وكذلك نتنياهو.

الكشف عن الزيارة جاء من خلال إعلان عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية الوزير حسين الشيخ.

يأتي توقيت الزيارة في ظل قطع الجانب الفلسطيني علاقته مع الإدارة الأميركية، احتجاجاً على الانحياز الأميركي الواضح تجاه الكيان الإسرائيلي، والذي سُجّل بسلسلة من الخطوات عبر:

- إعلان الرئيس ترامب نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس (6 كانون الأوّل /ديسمبر 2017)، ومن ثم الاحتفال بنقل السفارة (14 أيّار /مايو 2018).

- إغلاق مكتب مُمثلية "مُنظّمة التحرير الفلسطينية" في واشنطن (10 كانون الأوّل/ديسمبر 2018).

- وقف المُساعدات المالية التي كانت تقدّمها الولايات المُتّحدة إلى السلطة الفلسطينية ومُستشفيات القدس.

- وصولاً إلى إعلان الرئيس ترامب عن رؤيته التي أطلق عليها "صفقة القرن" (28 كانون الثاني /يناير 2020).

وما تلى ذلك من تطبيع بين الكيان الإسرائيلي من جهة، والإمارات العربية المُتّحدة ومملكة البحرين من جهة ثانية، برعاية أميركية في البيت الأبيض (15 أيلول /سبتمبر 2020).

يأمل لاودر الدفع بإطلاق مُحادثات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، والتي توقفت في العام 2014، مع نكث نتنياهو بما تمَّ التوافق عليه برعاية أميركية ودولية.

أفكار عدّة قدّمها رجل الأعمال الأميركي، تحثُّ الجانب الفلسطيني على "الدخول في العملية السلمية، وفق رؤية الرئيس ترامب، وبأنّ الجانب الفلسطيني غير مُلزم ببنودها، وبإمكانه وضع مُلاحظات حولها بالمُوافقة على بنودها، بل الهدف هو الجلوس للتفاوض مع الجانب الإسرائيلي برعاية إدارة ترامب".

وألمح إلى أنّ ذلك "قد يُؤدي إلى إعادة التحويلات والمُساعدات الأميركية، وأيضاً ما يتعلّق بالمقاصّة الجمركية التي تجبيها سلطات الاحتلال لصالح السلطة الفلسطينية"، لكنها تعمد إلى قرصنتها، تحت ذريعة دفعها إلى الأسرى وأسر الشهداء.

وكشفت مصادر فلسطينية مُطلعة لـ"اللـواء"، عن أنّ "موقف الرئيس عباس واضح، برفض "صفقة القرن"، ومُندرجاتها، وبالتالي رفض أي تفاوض على أساسها، وأنّ أي طرح للسلام، يكون استناداً إلى القرارات والمواثيق الدولية، التي تكفل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، بإقامة دولته على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين، وأنْ يكون بحث ذلك من خلال مُؤتمر دولي للسلام، استناداً إلى مُبادرة الرئيس الفلسطيني، التي أكد عليها في كلمته أمام الجمعية العامة للأُمم المُتّحدة في دورتها الـ75، وليس وفق رُؤية ترامب المُنحازة بشكل كامل للكيان الإسرائيلي".

وأكدت المصادر أنّ "طرح الرئيس مُبادرته بعقد مُؤتمر دولي للسلام، لقي اهتماماً، حيث بدأت بعض الدول العمل لجس نبض بهدف السير به".

وشدّدت المصادر على أنّ "ما يجري في المنطقة دون إقرار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، لن يُحقق السلام، بل سيؤدي إلى مزيد من التوتيرات، خاصة في ظل المسعى الإسرائيلي إلى تحويل كيانه إلى دولة يهودية ما يُعزّز النعرات الدينية في المنطقة".

وردّاً على ما ذُكِرَ بشأن نصيحة لاودر للرئيس عباس بعدم إجراء الانتخابات في هذه المرحلة، خشية ضم حركة "حماس" إلى النظام السياسي الفلسطيني، أشارت المصادر إلى أنّ "الرئيس عباس مُصرٌّ على إجراء الانتخابات العامة، التشريعية، فالرئاسية وللمجلس الوطني، ومن حق الشعب اختيار مُمثّليه، وهو ما يسير به الرئيس الفلسطيني، حتى لو فازت "حماس بأي عدد من نوّاب التشريعي، فهي جزء من مُكوّنات الشعب الفلسطيني، وعندما فازت في انتخابات كانون الثاني /يناير 2006، كلّف الرئيس عباس يومها، إسماعيل هنية بتشكيل الحكومة، ورفض المُطالبة الأميركية بإلغائها".

على الرغم من المُحاولات الأميركية، إلا أنّ قناعة الرئيس عباس، هي بأنّ إدارة ترامب لن تُعطي الفلسطيني أي شيء، بل منحت الكيان الإسرائيلي ما لم يمنحه أي رئيس أميركي آخر، بفعل فريقه المُتهوّد، الذي يضمُّ صهره جاريد كوشنير، وسفيره لدى الكيان الإسرائيلي ديفيد فريدمان، وبالتالي فإنّ الرئيس عباس لن يمنح ترضية أو أي مُكتسب إلى ترامب، الساعي لتحقيقه، ليُضيفه إلى سجل إنجازاته الديبلوماسية في معركة السباق إلى البيت الأبيض، قبل 3 أسابيع من إجرائها يوم الثلاثاء في 3 تشرين الثاني/نوفمبر المُقبل، وأيضاً لن يُلقي بطوق النجاة إلى نتنياهو الذي أظهرت استطلاعات الرأي تراجع شعبيته داخل المُجتمع الإسرائيلي!