بعد استقالته من رئاسة الحكومة، في شهر تشرين الأول من العام الماضي، نجح رئيس الحكومة المكلف ​سعد الحريري​ في العودة إلى هذا المنصب، نتيجة ظروف موضعيّة لا علاقة له بها مباشرة، بعد أن كان خروجه نتيجة تمنٍّ أميركي بالإبعتاد عن الواجهة في تلك المرحلة، بالتزامن مع فيتو خليجي أمام عودته، الأمر الذي يفتح الباب أمام السؤال عما إذا سيكون قادراً على إستغلال الواقع الجديد؟.

من حيث المبدأ، لا يمكن تصوّر أن عودة الحريري كان من الممكن أن تحصل فيما لو كانت الظروف لا تزال كما كانت عليه، لناحية التمني الأميركي والفيتو الخليجي، نظراً إلى أن رئيس الحكومة المكلّف يدرك جيداً أنه لن يكون قادراً على النجاح في مهمّته في هذه الحال، الأمر الذي يدفع إلى التأكيد بأن الحريري حصل على ضوء أخضر أميركي، يعود بالدرجة الأول إلى الإنشغال الأميركي بالإنتخابات الرئاسية المقبلة، الأمر الذي ساهمت باريس في تأمينها إلى حد بعيد، بالإضافة إلى إتفاق الإطار على ​ترسيم الحدود​ البحرية الذي قاد واشنطن إلى الحد من تصعيدها ​لبنان​ياً.

الأمر نفسه ينطبق على الفيتو الخليجي، بحسب ما تؤكد مصادر سياسية مطلعة لـ"النشرة"، لا سيما أن القوى المعنية في المحور السعودي الإماراتي المصري تدرك جيداً أنها لا تستطيع أن تسمح بإستمرار حالة الفراغ على الساحة السنية طويلاً، التي من الممكن أن تعمد ​تركيا​، ذات النشاط المستجد في لبنان، في إستغلالها، بدليل توسع دائرة نفوذها في أكثر من منطقة لبنانية، وتشير إلى أنّ هذا الواقع هو الذي يفسر إندفاعة الحريري بالعودة لرئاسة الحكومة، متجاوزاً الإعتبارات التي كان يتمسك بها، خصوصاً لناحية تسميته من قبل كتلة نيابية مسيحية وازنة.

بالتزامن، تشير هذه المصادر إلى أن رئيس الحكومة المكلف ما كان ليحصل على دعم العديد من الشخصيات السنية الفاعلة، لا سيما رؤساء الحكومات السابقين: ​فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام​ والوزير السابق ​نهاد المشنوق​، فيما لو كان الفيتو الخليجي لا يزال مستمراً، الأمر الذي يدفعها إلى التأكيد بأن الظروف الخارجية ساهمت إلى حد بعيد في عودته، لكنها تؤكد أن ذلك غير كاف لنجاحه في مهمته، حيث عليه الإسراع في إنجاز تشكيلته الحكومية قبل أن تتبدل المعطيات الراهنة، عبر الإتفاق مع القوى السياسية الأساسية.

في هذا السياق، تستغرب المصادر نفسها ربط ملف ​تشكيل الحكومة​ بالإنتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، لناحية الحديث عن أن من المستحيل أن تبصر النور قبل إنجاز هذا الإستحقاق، حيث تعتبر أن الفرص اليوم قد تكون أكبر من تلك التي ستكون بعد هذا الإستحقاق، وبالتالي من المفترض أن يصار إلى إستغلالها إلى الحد الأقصى، خصوصاً من جانب رئيس الحكومة المكلّف، الذي قد يكون هو أيضاً أمام الفرصة الأخيرة وليس فقط لبنان، لأنّ فشله في تشكيل الحكومة، لأيّ سبب كان، سينسحب تداعيات كبيرة على مستقبله السياسي، لا سيما على مستوى علاقاته مع باقي القوى الوازنة في البلاد.

في المحصّلة، لا تستبعد المصادر السياسية المطلعة أن تحصل، في الأيام المقبلة، مفاجآت إيجابية في الملف الحكومي، خصوصاً أن جميع المعنيين به لهم مصلحة في الإنتهاء منه بأسرع وقت ممكن، الأمر الذي يفرض عليهم تبادل التنازلات المنطقية، التي لا تقود إلى إنكسار فريق على حساب الآخر، بإنتظار المرحلة التي تلي الإنتخابات الأميركيّة المفتوحة على جميع الإحتمالات، وهو ما حصل، خلال عطلة نهاية الاسبوع، عبر تسريع اللقاءات بين رئيسي الجمهورية والحكومة المكلف.