هل نحن أمام مرحلة إيقاظ نزعة ​العنصرية​ والكراهية للإسلام نتيجة المخزون الثقافي والنفسي الذي أنتجه الخطاب الاستعماري أثناء تعرّضنا للاحتلال والاستباحة والمصادرة؟

من هنا يمكن القول إنّ حملات الإساءة للرسول الأكرم (ص)، والتي يشترك فيها الرئيس الفرنسي، تمثل إخلالاً بالمعايير الحضارية التي تقوم على صون حرمة ​الإنسان​ وقدسية الأديان وسقوطاً فاضحاً في مستنقع العنصرية والجهل والتخلف، مما يجعلنا ليس أمام خطر ​الإرهاب​ التكفيري فحسب، وإنما أمام خطر النزعات العنصرية ونهج تغييب جوهر الأديان وكلّ النهج التنويري الذي يلتزم الخيارات الحضارية المنفتحة، وهذا ما يطرح جملة من الإشكاليّات التي تعبّر عن أزمة قيميّة ومعرفيّة عند كلّ المسيئين للإسلام والمتمادين في خطاب الكراهية.

1 ـ إشكالية تجاهل حقائق ​الإسلام​ والتسرّع بالأحكام التي تفتقر إلى المعرفة وإلى التحرّر من عقدة الأنا الحضارية وعقلية الاستغلال الرخيص للدين لأجل المصالح السياسية في الداخل والخارج، وهذا ما جعل خطاب الرئيس الفرنسي ينزلق الى أدنى المستويات التي لا تليق بصدقية ​الدولة​ الفرنسية.

2 ـ إشكالية عدم التفريق بين الإسلام التكفيري المغلق الذي يمارس الإرهاب وبين الإسلام الإنساني المنفتح الذي يقوم على ثقافة الحوار والانفتاح والتنوّع والعيش المشترك واحترام الآخر ونبذ كلّ أشكال الفتن والإرهاب تصديقاً لقوله تعالى «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ».

3 ـ إشكالية تبرير المسّ بمعتقدات ومقدسات المسلمين تحت تأثير المنظومة الفكرية الفاسدة التي تحوّل الحرية إلى فوضى واستباحة وانعدام لحسّ المسؤولية اتجاه الآخر، حيث تُعطل كلّ الأدوات المعرفية وتُلغى حالة الوعي وتُنمَّى حالة التعصّب وتمارَس عملية الاستلاب للإنسان والمجتمع تحت وطأة المنظومة الدعائية والإعلامية التي تعمل على صياغة وعي الإنسان والتدخل بكلّ خياراته الفكرية ليبقى الإنسان الخاضع والقانع والمتلقي الذي ينسجم مع السائد السياسي والثقافي مما يفقده فعاليته الحضارية ودوره الإنساني المميّز. وهذا ما نراه في نموذج التكفيري القاتل والعنصري المستبيح للآخر وكلاهما تنتجه المنظومة نفسها ويشكل مظهراً لأزمة معرفية وقيمية تنتج الإرهاب والتخلف.

ويبقى السؤال: هل نحن أمام تكثيف حالة التلاعب بالعقول واستباحة الوعي لمصلحة المشاريع السياسية الرخيصة وأمام إعادة إنتاج ظاهرة ​الإسلاموفوبيا​ التي ترافقت مع المشاريع الاستعمارية كنمط ثقافي يسقط كلّ حالة التفاعل الحضاري والإنساني لمصلحة حالة الاحتراب والصراعات التي تخدم السياسات الفاسدة، وقد عرفَت الإسلاموفوبيا أنّها تنمّي العنصرية والأفكار النمطية والأحكام المسبقة للإسلام، وهي رهاب الإسلام والخوف المرضي، وقد ظهرت عند المفكرين وعلماء الاجتماع الفرنسيين خلال مرحلة الاستعمار الغربي لمجموعة البلدان المسلمة، حيث وصف المفكر الفرنسي (آلان كيليان) طبيعة العقل المحكوم للأنا الحضارية والنزعات العنصرية، الذي يرى أنّ المسلم هو العدو الطبيعيّ غير القابل للتفاوض والمساومة والذي يقول «ان تكون تابعاً لمحمد (ص) لا يعني إلا الوحشية والقسوة».

انّ ما نراه من إصرار على المواقف المعادية للإسلام يمثل الرجوع إلى الذاكرة الاستعمارية والاستجابة لكلّ مخزون التعصّب والعنصرية مما يعيق حالة التفاعل الإنساني المثمر التي تبني الحالة الحضارية.

ولما كانت الإسلاموفوبيا هي صناعة بحدّ ذاتها نرى انّ هناك جهوداً متجددة ودؤوبة تعمل على افتعال هذه النزعة وتغذيتها من جديد لأغراض سياسية تتنافى معها كلّ المعاني الإنسانية.

اننا أمام التداعيات التي تهدّد مجتمعنا من كلّ الأوبئة السياسية والمعرفية، وأمام إعادة إنتاج خطاب الكراهية والتخلف والتعصّب، نؤكد على ضرورة تحصين الوعي ​الدين​ي عبر تحريك مناهج جديدة لفهم الدين وإلى إعادة القراءات النقدية لكلّ الأفكار التي لا تنسجم مع حقائقه ومقاصده، وعبر تعميم الثقافة الإنسانية التي تمثل سمة الإسلام الحضاريّ الذي أرسى دعائمه ​النبي محمد​ (ص) «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، وعبر إرساء ثقافة نبذ الكراهية التي أكدها النبي عيسى (ع) انّ الله محبة حتى لا نبقى أسرى السياسات التي تشوّه الدين باسم الدين وتنتج الفوضى باسم الحرية، والتي تنمّي العنصرية وتنتج ثقافة التكفير وتسعى لإثارة الصراعات والفتن في داخل المجتمعات، حتى لا تبقى هذه المجتمعات محكومة للشركات المتعددة الجنسيات التي تنفذ السياسات المنسجمة مع مصالحها الاقتصادية على حساب القيم الإنسانية والحضارية للشعوب.