مرة جديدة تعود الدولة ال​لبنان​ية إلى اللاحلّ في مواجهة إنتشار ​فيروس كورونا​ المستجد، نظراً إلى أنها منذ البداية لم تذهب إلى وضع خطّة عمليّة تحول دون العودة إلى الإقفال العام من جديد، لا سيما على مستوى تجهيز المستشفيات الحكوميّة والخاصة لإستيعاب الموجة الثانية التي كان الجميع يتوقّعها.

في الأسباب الموجبة لقرار الإقفال العام، الذي تتجه ​حكومة​ ​تصريف الأعمال​ الحالية ب​رئاسة​ ​حسان دياب​ إلى الإعلان عنه، عدم قدرة القطاع الطبّي على تحمّل المزيد من ​الإصابات​، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عن الدور الذي كان من المفترض أن يقوم به ​وزير الصحة​ العامة ​حمد حسن​ على هذا الصعيد؟.

قبل أشهر، كان الوزير، الذي أعلن الإنتصار على الفيروس أكثر من مرة، "يرقص" محمولاً على الأكتاف في تجمهر لا يلتزم الحدّ الأدنى من الإجراءات المطلوبة، مبرّراً ذلك بالعادات والتقاليد، ومتباهياً بالوعي الإجتماعي الذي حال دون وقوع الكارثة في البلاد، لكن اليوم لا يتردّد في الإعلان عن أن الإقفال هو الحل الوحيد المتاح، ليس فقط لاسبوعين بل لشهر أيضاً وربما لاحقاً يطلب فترة زمنية أطول، بعد أن فشل في إنجاز ما هو مطلوب منه على هذا الصعيد.

بدوره، لم يكن وزير الداخلية و​البلديات​ ​محمد فهمي​، الذي على خصومة غير معروفة الأسباب مع وزير الصحّة العامّة، "يهدّد" المواطنين بيد من"حديد" لإجبارهم على الإلتزام بالتعليمات الصادرة عن الجهات المعنيّة، ليتبين أنها لم تكن إلا يد من "كرتون" لم تنجح حتى في منع "المستهترين" عن الإستمرار في إهمالهم، بينما كانت غالبية المواطنين تأخذ الإحتياطات اللازمة، على أمل عدم العودة إلى القرار الكارثي من جديد.

في الفترة الماضية، كان الحديث عن ​الإقفال الجزئي​ هو الحلّ الذي سيحول دون العودة إلى الإقفال العام، حيث يتم إقفال عدد من القرى والبلدات تكون نسبة الإصابات فيها مرتفعة، وذهب المسؤولون إلى الإشادة بهذا القرار "الجريء" الذي سيعطي نتائج إيجابيّة، بالرغم من أنّه في الكثير من الأحيان كان يقود إلى إقفال محلاّت تجاريّة في جهة من شارع تقع ضمن نطاق بلدي محدّد، بينما تلك التي تقع في الجهة المقابلة تفتح أبوابها لأنها ضمن نطاق بلديّ آخر، من دون تجاهل أنّ بعض البلديات كانت تتفاجأ بقرار إقفالها في حين أنّ عدد الإصابات المسجّلة فيها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.

بعيداً عن حقل التجارب الذي يضع فيه الوزراء المتقاعسون اللبنانيين لتجربة نظريتهم "العظيمة"، قد يكون من المفيد التوقف عند ما صرّح به وزير الصحّة العامة، قبل أيام، الذي اعتبر أن على لبنان أن يتمثل بالدول الأوروبيّة التي ذهبت إلى إعلان الإقفال العام من جديد، فهل هو "جاد" في هذه المقارنة أم كان يريد أن يخبر اللبنانيين بـ"نكتة" سمجة، إنطلاقاً من الكارثة التي يعيشونها؟.

حسناً، لنذهب إلى الإمتثال بالدول الأوروبيّة التي ذهبت إلى الإقفال العام، لكن هل ​الدولة اللبنانية​ قادرة على تأمين الحد الأدنى من المساعدات التي تقدّمها تلك الدول لمواطنيها لمساعدتهم على الإلتزام في منازلهم، أم أنّها تريد أن تتركهم لمواجهة مصيرهم على قاعدة أن "لا أحد يموت من الجوع"؟ وماذا عن الظروف الإقتصاديّة التي تمرّ بها البلاد، حيث من المتوقّع أن تكون تداعيات أيّ إقفال عام كارثيّة في ظلّ الواقع الكارثي القائم، نظراً إلى أنّ حكومة تصريف الأعمال لم تقم بأيّ خطوة للحد من سرعة الإنهيار؟.

في الختام، هناك سؤال جوهري من المفترض أن يُطرح على المعنيين قبل الذهاب إلى قرار الإقفال العام: هل يستطيعون فرض الإلتزام به أم أن مصيره سيكون كمصير قرارات الإقفال الجزئيّة؟ وما هي الضمانات بأنّ مثل هذا القرار سيقود إلى خفض عدد الإصابات أو رفع مستوى الجهوزيّة، طالما أنّهم حتى ​الساعة​ لم ينجحوا في فرض فتح أقسام خاصة لمرضى كورونا على ​المستشفيات الخاصة​، أو لم ينجحوا في تقديم المساعدات اللازمة لها من أجل الذهاب إلى هذه الخطوة؟.