لم يكن من خيار سوى مشاركة ​لبنان​ في المؤتمر الذي دعت اليه ​روسيا​ في ​سوريا​ لعودة اللاجئين والنازحين السوريين الى بلادهم، فلبنان يعتبر نفسه الدولة المعنيّة الاولى في هذا الملفّ، وهو لا يدع مناسبة الا ويشدد فيها على ضرورة العودة الآمنة والسليمة للنازحين السوريين، الذين يشكلون سبباً مهماً من اسباب ازماته ومصائبه، ولو انهم ليسوا السبب المباشر والوحيد لهذه الويلات. ففي الشكل، كيف يمكن للبنان ان يرفض طلب دولة عظمى كروسيا للمشاركة في المؤتمر، وهي التي ارسلت وفداً لهذا الغرض، كما انها متواجدة بجدية دبلوماسياً وعسكرياً في سوريا البلد المجاور للبنان، وتملك بالتالي تأثيراً اكبر على الساحة الاقليمية، ناهيك عن ان المؤتمر يشكّل فرصة للبنان لعرض خطته التي اقرها لعودة النازحين، وفتح نافذة جديدة للمفاوضات حول هذا الامر.

اما من حيث المضمون، فالواقع يفيد ان هذا المؤتمر هو لزوم ما لا يلزم، لان روسيا نفسها كانت اعلنت اكثر من مرة ان أيّ عودة للسوريين الى بلادهم من دول العالم التي توزعوا عليها، بحاجة الى تعاون دولي، ولا يمكن ان تصطلح الامور دون هذه المساعدة الجامعة. وهنا، تكمن نقطة ضعف المؤتمر الذي اتى التمثيل فيه خجولاً ولم يحظَ بالزخم اللازم لدفعه معنوياً وبالتالي مادياً وسياسياً، بحيث ان الامور راوحت مكانها ولم تتقدّم قيد أنملة، فحتى ​الاتحاد الاوروبي​ الدائم القلق من إمكان "تسرّب" افواج من السوريين الى دوله القريبة من لبنان وسوريا و​تركيا​، لم يتمثّل في المؤتمر. هذه الخطوة اتت بمثابة الدليل الكافي للتشديد على أنّ هذه المسألة، رغم أهميتها، ليست بعد الاولوية بالنسبة الى العالم الذي يبدو مقتنعاً بالوضع القائم حالياً ولا يريد العبث به او تغييره في المدى المنظور. قد تكون روسيا حاولت البناء على ما شهدته ​اوروبا​ من موجة ارهابيّة، ومن دعوات صدرت من الداخل الاوروبي تحذّر من المهاجرين ومن خطورة ما حملوه معهم من كبت وقهر وعنف فجّروه في الدول الاوروبية، لكن رهانها لم يكن ناجحاً وفق ما ظهر.

لم يحمل المؤتمر مقوّمات النجاح، ولا تستطيع روسيا وحدها تأمين عوامل العودة التي تهمها كونها تبعد شبح ورقة تهدّد مصالحها بين الحين والآخر من قبل عدد من الدول، وتعمد الى ترتيب البيت الداخلي السوري، لتنطلق منه الى ترتيب نفوذها ووضعها في المنطقة ككل. وبالتالي، على الدول التي تستضيف هؤلاء اللاجئين والنازحين انتظار الظروف المؤاتية التي قد تطول، في سبيل الوصول الى الغاية المنشودة. ولعل العامل الايجابي الوحيد الذي اعطاه انعقاد هذا المؤتمر، هو القول ان الموضوع لم يُطوَ بعد، وانه ليس بالامر المسلّم به، وهذا أمر مهم كي لا يتحول النازحون، وخصوصاً في لبنان، الى امر واقع لا يمكن تخطيه ويتكرّر سيناريو اللاجئين الفلسطينيين الذين باتوا –شئنا ام ابينا- جزءاً من الواقع اللبناني جغرافياً وسياسياً وامنياً واقتصادياً، على الرغم من كل القوانين التي وضعت لاسقاط الهوية الفلسطينيّة عنهم وتحويلهم الى "لبنانيين".

لا أحد يعلم بعد التوقيت المناسب لاستفاقة الضمير العالمي ووقف المتاجرة بأرواح واوضاع النازحين السوريين بعد ان تم تهجيرهم من منازلهم وارضهم، واغوائهم بحوافز مادّية وظروف معيشيّة افضل كي يبقوا ورقة في يد الدول التي تبغي زيادة نفوذها في الشرق الاوسط وفرض نفسها بالقوة، غير عابئة بمصائر شعوب المنطقة ومعاناتها. حسناً فعل لبنان في المشاركة في المؤتمر، ولكن على اللبنانيين الا يتوقّعوا نتائج ملموسة، على الاقلّ في المدى القريب، لإمكان احداث تغيير في ​ملف النازحين السوريين​ المتواجدين على ارضه.