تسلَّح علماءُ اليَهودِ والفرّيسيّون بِيومِ السَّبتِ (شَبَّات بالعبريّة)، كامتيازٍ كبيرٍ لهم مِن الله. لكنَّهُم بالحقيقةِ نَسُوا مَقصدَ السَّبتِ الحقيقيّ الذي خصَّصه اللهُ كَيومٍ مُقدَّسٍ في العهدِ القَديم بعدَ أيَّامِ الخَلقِ السِّتَّة. قال الله لموسى: "وَأَنْتَ تُكَلِّمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: سُبُوتِي تَحْفَظُونَهَا، لأَنَّهُ عَلاَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فِي أَجْيَالِكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي يُقَدِّسُكُمْ"(سفر الخروج ١٣:٣١).

الفعلُ "يُقَدِّسُكُمْ" هو الغايةُ والمَقصد. فحِفظُنا للوصايا مِن دونِ العَملِ بها مِن أجلِ القَداسةِ فُولكلُور ورِياء، وطُقوسٍ فارغة إلّا مِن الكِبرياء.

هذا ما وقع فيه الفَرّيسيُّون، ويقع فيه كلُّ مَن غابَ عن ذِهنِه أنَّ كلَّ صَلواتِنا هي مِن أَجلِ أن نَتقدَّسَ ويَسكُنَ القُدُّوسُ فينا، بعد أن نُفرِغَ ذواتِنا مِن كلِّ التُّرابيَّاتِ لنقتَبِلَ الإلهيّات. إنّه عُبورٌ مِن حالةِ المَوتِ إلى حالةِ الحَياة، مِن الخطيئةِ إلى النِّعمة.

مِن هنا نجدُ أنَّ للسَّبتِ أيضًا معنًى ثانيًا، وهو عهدُ خروجِ بني إسرائيلَ مِن مصرَ، وتحرُّرِهم مِن العُبوديّة. إذ نقرأ في سِفر التّثنيةِ كيف خاطبَ الرَّبُّ موسى النبيّ قائلًا:" أنَا هُوَ الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي"(٦:٥-٧).

على ضوء هذا يكونُ ارتباطُ الشَّعبِ اليَهوديّ بِالسَّبتِ تَخصيصًا للنَّفسِ البَشرِيَّةِ للخالق، وتحرُّرًا لها مِن كل خطيئة تُكبِّلها. ولكنَّ سلوكَ رئيسِ المَجمعِ اليَهوديّ، كما يظهرُ في إنجيلِ هذا الأحدِ، هُو عَكسُ ذلك. إذِ اغتاظَ اغتياظًا شديدًا لِشفاءِ يسوعَ في السَّبتِ امرأةً يهوديّةً كانت مريضةً ومُنحنِيةَ الظَّهر، لا تستطيعُ أن تنتَصِبَ، وكان لها ثماني عشرة سنة على هذه الحال.

تُرى ما الذي أغاظَهُ؟ أحقًّا لأنَّ الربَّ قام بِعملِ الشِّفاءِ هذا نَهارَ السَّبتِ، مُخالِفًا وصيَّةَ عَدمِ العَملِ في هذا اليوم؟ أم هناكَ سببٌ آخر؟.

لقد تحجَّجَ رئيسُ المَجمعِ بِالوَصيَّةِ، بينما الحقيقةُ أنَّ عَمَلَ يَسوعَ أظهرَ عجزَ رئيسِ المَجمع، وكَشَفَ بأنَّهُ لم يَعُدِ اللهُ إلهَهُ بل عَبَدَ نفسَه. وإلّا لكانَ فَرِحَ بِالعملِ الخَلاصِيّ الّذي تمَّمَهُ الرَّب.

كلُّ ما فعلهُ يسوعُ ويَفعَلُهُ، هو مِن أجلِ ​الإنسان​، لذا نسمعُهُ يقول: "السَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإِنْسَانِ، لا الإِنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ"(مرقس ٢٧:٢). ولكنَّ هذا الأمرَ عَسيرُ الفَهمِ لِمَن جعلَ السَّبتَ مِن أجل مجدِهِ الخاص. ومَن قال إنَّنا أيضًا لا نجعلُ يومَ الأحدِ، –يَومَ الرَّبِّ - مِن أجلِ مَجدِنا نحن؟.

لقد دخل يسوعُ المَجمعَ يَومَ السَّبتِ، لِيدخُلَ قُلوبَهم ويُقيمَهم مِن سُباتِهم العَميق، وليس لكي يَبقَوا قاطِنينَ قبورَهم المُكلَّسةَ، أصنامًا حجريَّةً لا رحمَةَ فيها.

كذلك يأتي يَومُ الأحدِ لِيكونَ يَومَنا الإفخارِستيّ بِامتِياز–يَومَ الشكر، اليومَ الجَديدَ الّذي مِنَ المُفترضِ فيه أن نَتجَدَّدَ وننهَضَ مِن المَوتِ الرُّوحيّ، لِنحيا سِرَّ الشُّكرِ الأبَدِيِّ مَعَ الرَّب، وننالَ شِفاءَ نُفوسِنا قَبلَ أجسادِنا.

هذا ما قالَهُ القِدَّيسُ باسيليوس الكبيرُ إنَّ المَذبحَ هُوَ قَلبُ الإنسانِ، وهذا ما يَطلُبُهُ الكاهِنُ في القُدَّاسِ الإلهِيّ أن يَحُلَّ الرُّوحُ القدسُ عَلينا وعلى القَرابِين. لِنُلاحِظْ، "علينا أوّلًا". فإن لم نَتَحَوَّلْ نحنُ مِنَ الدَّاخلِ، ونُصبِحْ خليقةً جَديدةً بِالرَّبِّ يسوعَ، فعَبَثًا ترانِيمُنا وكلِماتُنا وتَمتَمَةُ شِفاهِنا، وكُلُّ حركاتِنا الليتُورجِيَّة والطَّقسيّةِ وحتَّى تقديماتُنا.

لقد سقطَ رَئيسُ المَجمعِ عَن عَرشِهِ العَاجيّ الّذي صَنَعَهُ لِنفسِه، وتَعرّى وبانَت مُراءاتُه، لِمُجَرَّدِ أنَّ الرَّبَّ دخلَ المَجمعَ، لأنَّ النُّورَ يكشِفُ الخَبايا.

نعم، كلَّ مَرَّةٍ نَسمحُ للرَّبِّ بِدُخُولِ قَلبِنا نَسقُطُ عن عَرشِنا المُزَيَّف، ولكن يَجبُ ألّا نَحزَنُ، لأنَّنا إذا كُنَّا حَقًّا صادِقِينَ سيُجلِسُنا الرَّبُّ على عرشٍ سَماوِيّ إن قَبِلنا أن نَتَّضِعَ لِنَنالَ خَلاصَ اللهِ وشِفاءَه.

في الظَّاهرِ كانتِ المَرأةُ المَريضَةُ هِيَ المُنحَنِيَةُ، ولكن في العُمقِ إنَّ المُنحَنِيَ الحقيقيَّ كان رئيسُ المَجمَع. هِيَ شُفِيت، وهُو ازدادَ مَرَضًا وسُقمًا وانحِنَاء.

في صلاةِ الغُروبِ والسَّحرِ وفي القُدَّاسِ الإلهيّ، يُبَخِّرُ الكاهِنُ الجَماعةَ، فَردًا فردًا تمامًا كما يُبخِّرُ الإيقُوناتِ والقُدُسات. يُبخِّرُنا لِيقولَ لنا: إنتَصِبوا، ها خلاصُ الرَّبِّ هُنا، فلا انحِناءَ بَعدَ اليَومِ، ولا غَلبَةَ للخَطِيئةِ عَلينا، إنْ آمَنّا قَولًا وفِعلًا بِمُخَلِّصِنا.

خِتامًا، نَقرأُ في سِفرِ بَارُوخَ "لكَ يا ربُّ يَنبَغي السُّجود"(٥:٦). هذا صَحيحٌ، لإنَّ كُلَّ سُجودٍ للرَّبِّ قِيامَةٌ، وكُلَّ سُجودٍ لِغَيرِ الرَّبِّ مَرَضٌ وانحِناء.