خلال العام 2019 الماضي، أسفرت ​حوادث السير​ في ​لبنان​ عن سُقوط 490 قتيلاً وأكثر من 6100 جريح، بعضهم تشوّه بشكل دائم وبعضهم لا يزال بحال صُحّيّة غير مُستقرّة، وأرقام العام 2020 غير مُشجّعة بدورها حيث من المتوقّع أن ينتهي العام بعد نحو ثلاثة أسابيع بارتفاع إضافي في عدد الضحايا! فهل فعلاً ما يصطلح اللبنانيّون على تسميتها "طُرقات الموت" هي السبب وراء هذا النزف الخطير الذي يفتك بمُجتمعنا، خاصة بالجيل الشاب؟.

لا يختلف إثنان أنّ طرقاتنا غير آمنة إطلاقًا، حيث أنّها تفتقر إلى أبسط قواعد السلامة المَطلوبة، لجهة سوء التخطيط في كثير من الأحيان، وغياب الإضاءة والخُطوط ​البيضاء​ في أغلب الأحيان، وكذلك لجهة سوء التعبيد والحفر، وأيضًا لجهة غياب الدعائم الوسطيّة الفاصلة بين ​الطرقات​، وتلك الجانبيّة التي تحمي السيارات من الإنزلاق خارج الطريق. كما أنّ هذه الطرقات مليئة بالمطبّات المُوزّعة بشكل عشوائي وغير مدروس ولا مرئي، إلى ما هناك من شوائب. لكنّ هذه الطُرقات التي ترفع نسبة الحوادث بدون أدنى شكّ، براء من عدد كبير من حوادث السير التي تقع نتيجة السرعة الكبيرة وحتى المُتهوّرة. وما على المُشكّكين سوى إلقاء نظرة على شكل السيارات المُحطّمة، عند قراءة ​تقرير​ قوى الأمن عن سقوط قتلى في ​حادث سير​ ما!.

وفي مُتابعة ل​تقارير​ قوى الأمن بشأن أسباب حوادث الإصطدام، وكذلك لتقارير خبراء حوادث السير وشركات التأمين، في ما خصّ سُقوط العدد الأكبر من الضحايا على الطرقات، نجد أنّ حصّة ​الشاحنات​ التي تُقاد بعدائيّة وبتهوّر ومن دون أدنى شروط الأمان والصيانة، تتحمّل جزءًا مُهمًّا من عدد الضحايا على الطرقات، وكذلك الأمر بالنسبة إلى سائقي الفانات الذين يُسابقون بعضهم البعض ويستخدمون الأرصفة للتجاوز، ويقودون عكس السير لتجاوز الازدحام، إلى ما هناك من مُخالفات جسيمة يقومون بها! كما أنّ تلهّي بعض السائقين بالهاتف "الذكي" وعدم الإكتفاء بالتخابر السمعي أثناء ​القيادة​، والقيام بمُحادثات سمعيّة–بصريّة، وبكتابة النصوص وبقراءتها، يُسبّب بدوره عددًا لا بأس به من الحوادث التي تُصنّف في خانة "مصدر إلهاء"! كما أنّ قلّة أخلاق بعض السائقين على الطُرقات اللبنانية، لجهة القيادة العشوائيّة، وخرق إشارات المرور، والتجاوز عن اليمين، وعدم الإلتزام بخط المسار، وعدم إحترام المُشاة، إلخ. هي من الأسباب المُساهمة في زيادة عدد الحوادث على إختلاف أنواعها ومخاطرها.

لكنّ السبب الأوّل لحوادث السير القاتلة على الطُرقات يعود إلى السرعة ثم السرعة ثم السرعة! وهذا الأمر مُثبت في كل تقارير ​قوى الأمن الداخلي​، عند مُعاينة الحوادث التي ينجم منها عادة قتلى وجرحى. واللافت أنّ حصّة الجيل الشاب من هذه الحوادث هي الأعلى، حيث أنّ الكثير من السائقين الذين يتراوح عمرهم بين 18 و25 سنة، مسؤولون عن إرتفاع نسب الضحايا على الطرقات اللبنانيّة. وبالتالي، عُذرًا "طُرقات الموت" ليست السبب وراء هذه النسبة المُخيفة من القتلى والجرحى على طرقات لبنان! فإذا كان صحيحًا أنّ هذه الطرقات بحاجة إلى تأهيل وصيانة على مُختلف الصُعد، فإنّ الأصحّ أنّ عددًا كبيرًا من السائقين اللبنانيّين بحاجة أيضًا إلى دورات إعادة تأهيل، لتكون "القيادة ذوق وأخلاق" فعلاً لا قولاً، والأصحّ أنّ على قوى الأمن تطبيق ​قانون السير​ بحذافيره وبشكل قاس لا يقبل المُساومة–كما يحصل في الدول المُتحضّرة، لأنّ بعض السائقين المُتهوّرين على الطرقات، والذين يفتقرون إلى أدنى نسب الوعي والمسؤوليّة والأخلاق، لا يقتلون أنفسهم فحسب، بل يقتلوننا معهم، ويقتلون أولادنا وأهلنا وأصدقاءنا أيضًا، وذلك في حوادث السير التي يُسبّبونها لإشباع غريزتهم بالقيادة بسرعات خارقة!.

في الخُلاصة، طالما أنّ مؤشّر عدّاد السُرعة داخل لوحات القيادة في السيارات سيبقى مُرتفعًا، فإنّ عدّاد الموت من جرّاء حوادث السير سيبقى مُرتفعًا أيضًا! وطالما أنّ ​الدولة​ ستبقى تبحث عن تحصيل أكبر قدر من الأموال من غرامات السرعة، بدلاً من فرض قانون السير بالقُوّة وتوقيف المُتهوّرين على الطرقات بمُجرّد قيادتهم بشكل خطر–كما يحصل في الدول المُتقدّمة، فإنّ لائحة الموت على طرقات لبنان ستطول كثيرًا...